Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 38-40)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وعاداً وثمودَا } أي : اذكر عاداً وثموداً ، أو أهلكنا عاداً ، وثموداً يدل عليه { فأخذتهم الرجفة } لأنه في معنى الإهلاك ، { وقد تبيَّنَ لكم } ما وصفنا من إهلاكهم { من مساكنهم } الدارسة . أو تبين لكم بعض مساكنهم الخربة إذا مررتم بها خالية . { وزيَّنَ لهم الشيطانُ أعمالهم } من الكفر والمعاصي ، { فصدَّهم عن السبيل } عن الطريق الذي أُمروا بسلوكه ، وهو الإيمان بالله ورسوله . { وكانوا مستبصرين } متمكنين من النظر والاستبصار وتميز الحق من الباطل ولكنهم لم يفعلوا . أو عارفين الحق من الباطل بظهور دلائله ، لكنهم عاندوا ، حسداً . يقال : استبصر : إذا عرف الشيء على حقيقته . أو : متيقنين أن العذاب لاحق بهم بإخبار الرسول ، لكنهم لجّوا . أو : مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها . وقال الفراء : عقلاء ذوو بصائر ، يعني : علماء في أمور الدنيا ، كقوله : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الروم : 7 ] الآية . وقال مجاهد : حسبوا أنهم على الحق ، وهم على الباطل . هـ . { وقارونَ وفرعونَ وهامان } : أي : أهلكناهم ، { ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين } فائتين ، بل أدركهم أمر الله فلم يفوتوه . يقال : سبق طالبه : فاته ، { فكُلاًّ أخذنا } عاقبناه { بذنبه } ، فيه رد على من يُجوز العقوبة بغير ذنب . قاله النسفي ، وهو جائز عقلاً في حقه تعالى ، لكنه لم يقع لإظهار عدله . { فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً } أي : ريحاً عاصفة فيها حصباء أو : مَلِكاً رماهم بها . قال ابن جزي : فيحتمل عندي أنه أراد به المعنيين لأن قوم لوط هلكوا بالحجارة ، وعاداً هلكوا بالريح . وإن حملناه على المعنى الواحد نقض ذكر الآخر ، وقد أجاز كثير من الناس استعمال اللفظ الواحد في معنيين ، ويقوي ذلك إن المقصود عموم أصناف الكفار . هـ . { ومنهم من أخذتهم الصيحةُ } كمدين وثمود ، { ومنهم من خسفنا به الأرضَ } كقارون ، { ومنهم من أغرقنا } كقوم نوح ، وفرعون وقومه ، { وما كان الله ليظلمهم } فيعاقبهم بغير ذنب إذ ليس ذلك من عادته - عز وجل - ، وإن جاز في حقه ، { ولكن كانوا أنفسَهم يَظْلِمُون } بالتعرض للعذاب بالكفر والطغيان . وبالله التوفيق . الإشارة : الاستبصار في أمور الدنيا والتحديق في تدبير شؤونها ، حمق وبطالة ، وقد وسم به الحق تعالى الكفرة بقوله : { وكانوا مستبصرين } ، والاستبصار في أمور الله تعالى وما يقرب إليه وما يبعد عنه ، والفحص عن ذلك ، والتفكر في عواقب الأمور من شأن العقلاء الأكياس ، قال صلى الله عليه وسلم : " ألا وإن من علامات العقل : التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ، والتزود لسكنى القبور ، والتأهب ليوم النشور " ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : " الكِّيسُ من دانَ نَفْسَه وعَمِلَ لِما بعدَ الموت ، والأحمق من أتْبَعَ نفسه هواها ، وتمنَّى على اللهِ الأماني " ، وقيل للجنيد رضي الله عنه : متى يكون الرجل موصوفاً بالعقل ؟ فقال : إذا كان للأمور متميزاً ، ولها متصفحاً ، وعما يوجبه عليه العقل باحثاً ، فيتخيرُ بذلك طلب الذي هو أولى ، ليعمل به ، ويُؤْثِرَهُ على ما سواه . ثم قال : فمن كانت هذه صفته ترك العمل بما يفنى وينقضي ، وذلك صفة كل ما حوت عليه الدنيا ، وكذلك لا يرضى أن يشغل نفسه بقليل زائل ، ويسير حائل ، يصده التشاغُلُ به ، والعملُ له ، عن أمور الآخرة ، التي يدوم نعيمها ونفعها ، ويتأبد سرورها ، ويتصل بقاؤها … إلخ كلامه . وقد ضرب الله مثلاً لمن ركن إلى غير الله ، فقال : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ … }