Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 41-44)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { مَثَلُ الذين اتخذوا من دون اللهِ أولياءَ } أصناماً يعبدونها ، أي : مَثَلُ من أشرك بالله الأوثان في الضعف ، وسوء الاختيار ، { كَمَثَل العنكبوتِ اتخذت بيتاً } ، أي : كمثل العنكبوت فيما تتخذه لنفسها من بيت فإنه لا يدفع الحر والبرد ، ولا يقي ما تقي البيوت ، فكذلك الأوثان ، لا تنفعهم في الدنيا والآخرة ، بل هي أَوْهَى وأضعف ، فإن لبيت العنكبوت حقيقةً وانتفاعاً عاماً ، وأما الأوثان فتضر ولا تنفع ، { وإنَّ أوْهَنَ البيوتِ } أي : أضعفها { لبيتُ العنكبوت } لا بَيْتَ أوهن من بيته إذْ أضعف شيء يسقطها . عن عليّ رضي الله عنه : " طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت ، فإن تركه يُورث الفقر " . والعنكبوت يقع على الواحد والجمع ، والمذكر والمؤنث ، ويجمع على عناكيب وعناكب وعِكاب وعكَبَة وأعكُب . { لو كانوا يعلمون } لعلموا أن هذا مثلُهم ، وأنَّ ما تمسكوا به من الدين أرق من بيت العنكبوت . وقال الزجاج : تقدير الآية : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ، لو كانوا يعلمون ، كمثل العنكبوت . وقيل : معنى الآية : مَثَلُ المشركِ يعبد الوثن ، بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله ، مثل عنكبوت تتخذ بيتاً بالإضافة إلى رجل بنى بيتاً بآجُرٍّ وجص ، أو جص وصخور ، فكما أن أوهن البيوت ، إذا استقرأتَهَا بيتاً بيتاً ، بيت العنكبوت ، كذلك أضعف الأديان ، إذا تتبعتها ديناً ديناً ، عبادةُ الأوثان . وقال الضحاك : ضرب مثلاً لضعف آلهتهم ووهنها ، فلو علموا أن عبادة الأوثان ، في عدم الغنى ، كما ذكرنا في المثل ، لَمَا عبدوها ، ولكنهم لا يعلمون ، بل الله يعلم ضَعف ما تعبدون من دونه وعجزه ، ولذلك قال : { إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء } ، أي : يعلم حاله ، وصفته ، وحقيقته ، وعدم صلاحيته لِمَا تؤملونه منه ، فما : موصولة ، مفعول " يعلم " ، وهي تامة ، أي : يتعلق علمه بجميع ما يعبدونه من دونه أيّ شيء كان . أو ناقصة والثاني محذوف أي : يعلمه وهياً وباطلاً . وقيل : استفهامية معلقة ، وأما كونها نافية فضعيف ، و " من " الثانية للبيان ، ومن قرأ بالخطاب فعلى حذف القول ، أي : ويقال للكفرة : إن الله يعلم ما تعبدونه من دونه من جيمع الأشياء ، أو : أيّ شيء كان . { وهو العزيزُ } الغالب الذي لا شريك له { الحكيمُ } في ترك المعاجلة بالعقوبة وفيه تجهيل لهم حيث عبدوا جماداً لا علم له ولا قدرة وتركوا عبادة القادر القاهر على كل شيء الحكيم الذي لا يفعل إلا لحكمة وتدبير . { وتلك الأمثالُ } الغريبة ، أي : هذا المثل ونظائره { نضربها للناس } نُبّيِّنُها لهم تقريباً لما بَعُدَ عن أفهامهم . كان سفهاء قريش وجهَلَتُهم يقولون : إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ، ويضحكون من ذلك ، فلذلك قال تعالى : { وما يعقلها إلا العالِمون } ، أي : بالله وصفاته وأسمائه ، وبمواقع كلامه وحِكَمه ، أي : لا يعقل صحتها وحُسنها ، ولا يفهم حكمتها ، إلا هم لأن الأمثال والتشْبيهات إنما هي طرق إلى المعاني المستورة ، حتى يبرزها ويصورها للأفهام ، كما صور هذا التشبيه الذي بيّن فيه حال المشرك وحال المؤمن . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا في هذه الآية ، وقال : " العالِم : مَنْ عقل عن الله ، فعمل بطاعته ، واجتنب سخطه " ، وَدَلَّتْ هذه الآية على فضل العلم وأهله . { خلقَ اللهُ السمواتِ والأرضَ بالحق } أي : محقاً ، لم يخلقها عبثاً ، كما لم يضرب الأمثال عبثاً ، بل خلقها لحكمة ، وهي أن تكون مساكن عباده ، وعبرة للمعتبرين منهم ودلائل على عظم قدرته ، بدليل قوله : { إن في ذلك لآيةً للمؤمنين } لأنهم هم المنتفعون بها . وقيل : بالحق العدل ، وقيل : بكلامه وقدرته ، وذلك هو الحق الذي خلق به الأشياء . وخص السموات والأرض لأنها المشهودات . والله تعالى أعلم . الإشارة : من اعتمد على غير الله ، أو مال بالمحبة إلى شيء سواه ، كان كمن اعتمد على خيط العنكبوت ، فعن قريب يذهب ويفوت ، يا من تعلق بمن يموت قد تَمَسَّكَتَ بأضعف من خيط العنكبوت . تنبيه : الأشياء الحسية جعل الله فيها القوي والضعيف ، والعزيز والذليل ، والفقير والغني لِحكمة ، وأما أسرار المعاني القائمة بها فكلها قوية عزيزة غنية ، فالأشياء ، بهذا الإعتبار - أعني : النظر لحسها ومعناها - كلها قوية في ضعفها ، عزيزة في ذلها ، غنية في فقرها . ولذلك تجد الحق تعالى يدفع بأضعف شيء وأقوى شيء ، وينصر بأذل شيء على أقوى شيء . رُوي أنه لما نزل قوله تعالى : { وإن أوْهَن البيوت لبيتُ العنكبوت } شكى العنكبوتُ إلى الله تعالى ، وقال ربِّ خلقتني ضعيفاً ، ووصفتني بالإهانة والضعف ، فأوحى الله تعالى إليه : انكسر قلبك من قولنا ، ونحن عند المنكسرة قلوبهم من أجلنا ، وقد صددنا بنسجك الضعيف صناديد قريش ، وأغنينا محمداً عن كل ركن كثيف ، فقال : يا رب حسبي أن خلقت في ذلي عزتي ، وفي إهانتي قوتي . هـ . ذكره في اللباب . ثم أمره بالاشتغال بالتلاوة والصلاة تسلية وغَيبة عمّن آذاه ، فقال : { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ … }