Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 146-148)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { كأَيِّن } : أصله : أيْ ، دخلت الكاف عليها وصارت بمعنى { كم } ، وأثبت التنوين نوناً على غير قياس ، وقرأ ابن كثير ، { وكائن } ، على وزن فاعل ، ووجهه : أنه قلب الياء قبل الهمزة فصار : كيَاءٍ ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فصار كائن ، وهما لغتان ، وقد جمع الشاعر بينهما في بيت ، فقال : @ كَأيّنْ أبَدْنَا مِنْ عَدوٍّ بعِزِّنا وكَائِنْ أجَرْنا مِنْ ضَعيفٍ وخائِفِ @@ و { الرِبِّيون } : جمع رُبَّة ، أي : الفرقة . أي : معه جموع كثيرة ، وقيل : العلماء الأتقياء ، وقيل : الولاة ، وهو : إما مبتدأ فيوقف على { قُتل } ، أو نائب فاعل { قُتل } ، أو فاعل على من قرأ بالبناء له ، و { كثير } : نعت له ، كقوله : { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [ التّحْريم : 4 ] لأن فعيلاً يخبر به عن المفرد والجمع . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وكأين } وكم { من نبي قتل } في المعركة ومعه جموع كثيرة ، أو ربانيون علماء أتقياء ، فلم يفشلوا ولم يضعفوا ، بل ثبتوا على دينهم وجهاد عدوهم ، أو يقول : كثير من الأنبياء قتل معهم ربانيون كثير ، أي : ماتوا في الحرب فثبت الباقون ، ولم يفتروا ولم يضعفوا عن عدوهم ، ويترجح الأول بما صرَخَ به الصارخ يوم أحد : إن محمداً قد مات ، فضرب لهم المثل بقوله : { وكأين من نبي قُتل } ، ويترجح الثاني بأنه لم يقتل نبيّ قط في المحاربة . أو : { وكأين من نبيّ قاتل } أي : جاهد معه { ربِّيون كثير } ، وبعدما قتل نبيهم أو جموعهم { فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله } أي : فما فتروا : ولم ينكسر جندهم لأجل ما أصابهم من قتل نبيهم أو بعضهم ، { وما ضعفوا } عن جهاد عدوهم ولا عن دينهم ، { وما استكانوا } أي : خضعوا لعدوهم ، من السكون لأن الخاضع يسكن لعدوه يفعل به ما يريد ، فالألف إشباع زائد ، أي : فما سكنوا لعدوهم بل صبروا له ، { والله يحب الصابرين } فينصرهم ويعزهم ويُعظم قدرهم . { وما كان قولهم } عند قتل نبيهم مع ثباتهم على دينه ، { إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا } الصغائر ، { وإسرافنا في أمرنا } أي : ما تجاوزنا به الحد في أمر ذنوبنا ، كالكبائر ، { وثبت أقدامنا } في مداحض الحرب لئلا ننهزم ، { وانصرنا على القوم الكافرين } من أعدائنا ، فَهلاَّ فعلتم مثلهم ، وقلتم ذلك يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . { فآتاهم الله } في ثواب الاستغفار واللجوء إلى الله { ثواب الدنيا } وهو النصر والغنيمة والعز وحسن الذكر ، { وحسن ثواب الآخرة } وهو النعيم الذي لا يفنى ولا يبيد ، وخص ثواب الآخرة بالحسن إشعاراً بفضله ، وأنه المعتد به عنده ، { والله يحب المحسنين } الثابتين على دينهم ، لأنهم أحسنوا فيما بينهم وبين ربهم بحفظ دينه ، فأحبهم الله وقربهم إلى حضرته . الإشارة : وكم من المريدين والأتباع مات شيخهم أو قتل ، فثبتوا على طريقهم ، فما فَشِلوا ولا ضعفوا ، ولا خضعوا لمن يقطعهم عن ربهم ، بل صبروا على السير إلى ربهم ، أو الترقي في المقامات ، ومن لم يرشد منهم طلب من يكمل له ، { والله يحب الصابرين } ، فإذا أحبهم كان سمعهم وبصرهم ، كما في الحديث . وما كان حالهم عند موت شيخهم إلا الالتجاء إلى ربهم ، والاستغفار مما بقي من مساوئهم ، وطلب الثبات في مواطن حرب أنفسهم ، فأعطاهم الله عزّ الدنيا والآخرة عزّ الدنيا بالإيمان والمعرفة ، وعزّ الآخرة بدوام المشاهدة ، فكانوا أحباب الله { والله يحب المحسنين } .