Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 161-161)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الغلول : السرقة من الغنائم ، فمن قرأ بفتح الياء وضم الغين ، فمعناه : لا ينبغي له أن يأخذ شيئاً من الغنيمة خفية ، والمراد : تبرئة رسوله - عليه الصلاة والسلام - من ذلك . ومن قرأ بضم الياء ففيه وجهان : أحدهما : أن يكون المعنى ، ما كان لنبي أن يُخان ، أي : أن تخونه أُمّتُه في المغانم ، وكذلك الأمراء ، وإنما خص النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك لبشاعة ذلك مع النبيّ لأن المعاصي تعظم بحضرته ، والثاني : أن يكون المعنى : ما كان لنبي أن يُنسب إلى الخيانة كقوله : { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكّذِّبُونَكَ } [ الأنعَام : 33 ] أي : لا ينسبونك إلى الكذب . يقوله الحقّ جلّ جلاله : { ما كان } ينبغي { لنبيٍّ أن يغل } ويأخذ شيئاً من الغنيمة خفية لأن ذلك خيانة والنبوة تنافي ذلك ، والمراد : نزاهة الرسول - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك ، كقوله : { مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } [ مريَم : 35 ] ، ودفعُ ما توهمه الرماة ، فقد رُوِيَ أنه - عليه الصلاة والسلام - قال لهم لما تركوا المركز : " ألمْ أعْهَد إليكُمْ ألا تَتْركُوا المركَزَ حتَّى يأتيكُمْ أمْري ؟ " قالوا : تَرَكْنا بقية إخْوانِنَا وُقوفاً ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " بل ظَننْتُم أنّا نَغُلّ ولا نقْسِمُ لكُمْ " فنزلت الآية . وقيل إنه - عليه الصلاة والسلام - : بعث طلائع ، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقسم على من معه فقط ، فنزلت ، فاسترجع ذلك منهم . وقيل : في قطيفة حمراء فُقدت يوم بدر ، فقال المنافقون : لَعَلَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا ، فنزلت . ثم ذكر وعيد الغلول ، فقال : { ومن يَغْلُلْ يأت بما غَلَ يوم القيامة } أي : يأتي بالذي غله يحمله على رقبته ، قال عليه الصلاة والسلام : " لا ألقى أحَدكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ يَجِيءُ على رَقَبته بَعِيرٌ لَهُ رُغَاء ، أوْ بَقَرَةٌ لَهَ خُوَارٌ ، أَوْ شَاةٌ تَيْعَرُ " ثم قال : " اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ثلاثاً " كما في البخاري . { ثم توفّى كل نفس } جزاء { ما كسبت } تاماً ، { وهم لا يظلمون } بنقص ثواب مُطيعهم ، ولا يزاد على عقاب عاصيهم وكان اللائق بما قبله أن يقول : ثم يوفى ما كسب . لكنه عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه ، وأنه إذا كان كل كاسب مجزياً بعمله ، فالغال مع عظم جرمه بذلك أولى . قاله البيضاوي . الإشارة : ما قيل في النبيّ - عليه الصلاة والسلام - يقال في ورثته الكرام ، كالأولياء والعلماء الأتقياء ، فإنهم ورثة الأنبياء ، فيُظن بهم أحسن المذاهب ، ويلتمس لهم أحسن المخارج ، لأن الأولياء دلّوا على معرفة الله ، والعلماء دلّوا على أحكام الله ، وبذلك جاءت الرسل من عند الله ، فلا يظن بهم نقص ولا خلل ، ولا غلول ولا دخل ، فلهم قسط ونصيب من حرمة الأنبياء ، ولا سيما خواص الأولياء ، ومن يظن بهم نقصاً أو خللاً ، ويغل قلبه على شيء من ذلك ، فسيرى وباله يوم تفضح السرائر ، { ثم توفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } ، فلحوم الأولياء والعلماء سموم قاتلة ، وظن السوء بهم خيانة حاصلة . والله تعالى أعلم .