Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 31-32)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : قد تقدم الكلام على حقيقة المحبة عند قوله : { يحبونهم كحب الله } . وقال البيضاوي هنا : المحبة ميلُ النفس إلى الشيء لإدراك كمال فيه ، بحيث يحملها - أي الميل - إلى ما يقربها إليه ، والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله ، وأن ما يراه كمالاً من نفسه أو غيره فهو من الله وبالله وإلى الله ، لم يكن حبه إلا لله وفي الله ، وذلك يقتضي إرادة طاعته ، فلذلك فُسرت المحبة بإرادة الطاعة ، وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول في عبادته ، والحرص على مطاوعته . هـ . وقوله : { فإن تولوا } : فعل ماض مجزوم المحل ، ولم يدغمه البَزِّي هنا ، على عادته في الماضي ، لعدم موجبه . يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } يا محمد لمن يدّعي أنه يحب الله ولا يتبع رسوله : { إن كنتم تحبون الله } كما زعمتم ، { فاتبعوني } في أقوالي وأفعالي وأحوالي ، { يحببكم الله } أي : يرضى عنكم ويقربكم إليه ، { ويغفر لكم ذنوبكم } أي : يكشف الحجاب عن قلوبكم بغفران الذنوب ومحو العيوب ، فيقربكم من جناب عزه ، ويبوئكم في جِوار قدسه ، { والله غفور رحيم } لمن تحبب إليه بطاعته واتباع رسوله . { قل أطيعوا الله } فيما يأمركم به وينهاكم عنه ، { والرسول } فيما يَسُنه لكم ويرغبكم فيه ، { فإن تولوا } وأعرَضوا عنه ، فقد تعرضوا لمقت الله وغضبه بكفرهم به { فإن الله لا يحب الكافرين } أي : لا يرضى عنهم ولا يقبل عليهم ، وإنما لم يقل : لا يحبهم لقصد العموم ، والدلالة على أن التولي عن الرسول كفر ، وأنه بريء من محبة الله ، وأن محبته مخصوصة بالمؤمنين . رُوِيَ أن نصارى نجران قالوا : إنما نعظم المسيح ونعبده ، حباً لله وتعظيماً لله . فقال تعال : { قل } يا محمد : { إن كنتم تحبون الله } تعالى { فاتبعوني } … الآية . ولما نزلت الآية قال عبد الله بن أُبَيّ لأصحابه : إن محمداً يجعل طاعته كطاعة الله ، ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى ، فنزل قوله تعالى : { قل أطيعوا الله والرسول } الآية . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ الله ، ومن أَطَاعَ الإمامَ فَقدْ أطَاعَنِي ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى الله وَمَنْ عصَى الإمامَ فَقَدْ عَصَانِي " . الإشارة : اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم رُكن من أركان الطريقة ، وشرط في إشراق أنوار الحقيقة ، فمن لا اتباع له طريق له ، ومن لا طريق له لا وصول له ، قال الشيخ زروق رضي الله عنه : أصول الطريقة خمسة أشياء : تقوى الله في السر والعلانية ، واتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال ، والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار ، والرجوع إلى الله في السراء والضرء ، والرضى عن الله في القليل والكثير . فالرسول - عليه الصلاة والسلام - حجاب الحضرة وبَوَّابُها ، فمن أتى من بابه بمحبته واتباعه ، دخل الحضرة ، وسكن فيها ، ومن تنكب عنها طُرِد وأُبعد ، وفي ذلك يقول القائل : وأنتَ بابُ الله ، أيُّ امرِىءٍ وَافَاه مِنح غَيْرِكَ لاَ يدْخُلُ وقال في المباحث : @ تَبِعَه العالِمُ في الأقوال ، والعابدُ الزاهدُ في الأفْعَالِ وفيهما الصُّوفيُّ في السِّباق لكنَّه قد زاد في الأخْلاَقِ @@ فمن ادّعى محبة الله أو محبة رسوله ، ولم يطعهما ، ولم يتخلق بأخلاقهما ، فدعواه كاذبة ، وفي ذلك يقول ابن المبارك : @ تَعْصِي الإلَه وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ هَذَا محَالٌ في الْقِيَاسِ بَدِيعُ لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ @@ ثم ذكر الحق تعالى بيان نشأة عيسى عليه السلام ، وبيان أصله ونشأة أمه ، توطئة للكلام مع النصارى والرد عليهم في اعتقادهم فيه . وقال البيضاوي : لما أوجب الله طاعة الرسل ، وبيَّن أنها الجالبة لمحبة الله ، عقَّب ذلك ببيان مناقبهم تحريضاً عليها .