Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 42-43)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكر { إذ قالت الملائكة } أي : جبريل ، أو جماعة ، كلمتها شفاهاً كرامةً لها . وفيه إثبات كرامة الأولياء ، وليست نبية للإجماع على أنه تعالى لم يستنبئ امرأة لقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ } [ الأنبيَاء : 7 ] فقالوا لها : { يا مريم إن الله اصطفاك } لخدمة بيته ، ولم يقبل قبلك أنثى قط ، وفرغك لعبادته ، وأغناك برزقه عن رزق غيره ، { وطهرك } من الأخلاق الذميمة ، ومما يستقذر من النساء ، { وصطفاك } ثانياً بهدايته لك ، وتخصيصك بتكليم الملائكة ، وبالبشارة بالولد من غير أب ، فقد اصطفاك { على نساء العالمين } . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إلا مَرْيَمَ ابنةَ عِمْرَانَ ، وآسِيَةَ بنت مزاحِم وخديجة بنت خويلد " … الحديث . قال ابن عزيز : أي : عالمي دهرها ، كما فُضِّلَتْ خديجة وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على نساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل قال أبو عمر : فاطمة فُضلت على جميع النساء ، وهو واضح ، لحديث : سيدة نساء أهل الجنة ، لكن جاء في حديث آخر استثناء مريم . فالله أعلم . وفي الاستيعاب : " عن عمران بن حصين : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة ، وهي مريضة ، فقال : كيف تجدك يا بُنَيَّةُ ؟ فقالت له : إني لوجعة ، وإنه ليزيدني أني مالي طعام آكله ، فقال : يا بُنَيِّةُ ، أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين ، فقالت : يا أبت ، فأين مريم بنت عمران ؟ قال : تلك سيدةُ نُساءِ عالمها ، وأنت سيدة عالمك ، والله لقد زوجتك سيّداً في الدنيا والآخرة " هـ . من المحشي . { يا مريم اقنتي لربك } أي : أطيلي الصلاة شكراً لما اختصك به ، { واسجدي واركعي مع الراكعين } أي : صلِّي مع المصلين ، وقدَّم السجود على الركوع ، أما لكونه كذلك في شرعهم ، أو للتنبيه على أن الواو لا ترتب ، أو ليقترن { اركعي } بالراكعين ، للإيذان بأنَّ من ليس في صلاتهم ركوعٌ ليسوا بمصلين . وقيل : المراد بالقنوت : إدامة الطاعة ، كقوله : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءَ الَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً } [ الزمر : 9 ] ، وبالسجود ، الصلاة ، لقوله : { وإدبار السجود } ، وبالركوع : الخشوع والإخبات . قاله البيضاوي . وقال الأوزاعي : لما قالت لها الملائكة ذلك ، قامت في الصلاة حتى تورمت قدمها وسالت دماً وقَيْحاً . الإشارة : لا يصطفي الله العبدَ لحضرته إلا بعد تطهيره من الرذائل ، وتحليته بأنواع الفضائل ، وقطعه عن قلبه الشواغل ، والقيام بوظائف العبودية ، وبالآداب مع عظمة الربوبية ، والخضوم تحت مجاري الأقدار ، والتسليم لأحكام الواحد القهار ، فأنفاس المريد ثلاثة : عبادة ، ثم عبودية ، ثم عبودة ، ثم يترقى إلى مطالعة علم الغيوب .