Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 65-68)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { ها أنتم } : أصله : أنتم ، دخلت عليه هاء التنبيه ، وقال الأخفش : أصله : أأنتم ، فقلبت الهمزة الأولى هاء ، كقوله : هرقت . وتوجيه القراءات معلوم في محله ، و { أنتم } : مبتدأ ، و { هؤلاء } : خبره ، و { حاججتم } : جملة مبينة للأولى ، أو { حاججتم } : خبر ، و { هؤلاء } : منادى بحذف النداء ، و { حنيفاً } : حال ، أي : مائلاً عن الأديان إلا دين الإسلام . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أهل الكتاب لم تُحاجون في إبراهيم } ، ويدعي كل فريق أنه كان على دينه ، { وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } ، فكيف يكون يهوديّاً ، ودينكم إنما حدث بعد إبراهيم بألف سنة ؟ ! وكيف يكون نصرانيّاً ، ودين النصارنية إنما ظهر بعد إبراهيم بألفي سنة ؟ ! { أفلا تعقلون } فتدعون المحال ، { هاأنتم } يا { هؤلاء } الحمقى { حاججتم فيما لكم به علم } من أمر محمد - عليه الصلاة والسلام - ونبوته ، مما وجدتموه في التوراة والإنجيل ، فأنكرتموه عناداً وحسداً ، فَلِمَ تجادلون فيما لا علم لكم به ، ولا ذكر في كتابكم من شأن إبراهيم ؟ { والله يعلم } ما خصمتم فيه ، { وأنتم لا تعلمون } ، بل أنتم جاهلون . ثم صرّح بتكذيب الفريقين فقال : { ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً } مائلاً عن العقائد الزائفة ، { مسلماً } منقاداً لأحكام ربه . وليس المراد أنه كان على ملة الإسلام ، وإلا لكان مشترك الإلزام ، لأن دين الإسلام مؤخر أيضاً ، فكان إبراهيم إمام الموحدين ، { وما كان من المشركين } كما عليه اليهود والنصارى والمشركون . ففيه تعريض بهم ، ورد لادعائهم أنهم على ملته . ثم ذكر مَنْ أولى الناس به ، فقال : { إن أولى الناس بإبراهيم } أي : أخصهم به وأقربهم منه ، { للذين اتبعوه } من أمته في زمانه ، { وهذا النبيّ } محمد صلى الله عليه وسلم ، { والذين آمنوا } لموافقتهم له في أكثر الأحكام ، قال صلى الله عليه وسلم : " لكُلِّ نَبيَ وُلاة مِنَ النَّبيِّينَ ، وإنَّ وَلِيِّي منهم أبِي وَخَلِيل ربِّي " يعني إبراهيم عليه السلام ، { والله ولي المؤمنين } أي : ناصرهم على سائر الأديان ، ومجازيهم بغاية الإحسان . الإشارة : ترى كثيراً من المتفقرة يخصون الكمال بطريقهم ، ويخاصمون في طريق غيرهم ، وهي نزعة أهل الكتاب ، حائدة عن الرشد والصواب ، فأولى بالحق من اتبع السنة المحمدية ، وتخلق بالأخلاق المرضية ، وزهد في الدارين ، ورفع همته عن الكونين ، ورفع حجاب الغفلة عن قلبه ، حتى أشرقت عليه أنوار ربه ، واتصل بأهل التربية النبوية ، فزجوا به في بحار الأحدية ، ثم ردوه إلى مقام الصحو والتكميل ، فيا له من مقام جليل ، فهذه ملة إبراهيم الخليل ، وبها جاء الرسول الجليل حبيب الرحمن ، وقطب دائرة الزمان ، سيد المرسلين ، وإمام العارفين ، ورسول رب العالمين ، صلى الله عليه وسلم دائماً إلى يوم الدين .