Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 93-95)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { إسرائيل } : هو يعقوب عليه السلام . قول الحقّ جلّ جلاله : { كل الطعام كان } حلالاً على بني إسرائيل ، كما كان حلالاً على الأنبياء كلهم ، { إلا ما حرم إسرائيل } أي : يعقوب ، { على نفسه } ، كلحوم الإبل وألبانها ، قيل : كان به عرق النسا ، فنذر : إن شفاه الله لم يأكل أحب الطعام إليه ، وكان ذلك أحب الطعام إليه . وقيل : فعل ذلك للتداوي بإشارة الأطباء ، فترك ذلك بنوه ولم يحرم عليهم في التوراة ، وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم . فالطعام كله كان حلالاً على بني إسرائيل وعلى الأنبياء كلهم قبل نزول التوراة ، فلما نزلت التوراة حرم الله عليهم أشياء من الطيبات لظلمهم وبغيهم ، فإن ادعوا أن لحوم الإبل كانت حراماً على إبراهيم ، وأن كل ما حرم عليهم كان حراماً على إبراهيم وعلى الأنبياء قبله ، فقل لهم : كذبتم { فأتوا بالتوراة فاتلوها } هل تجدون ذلك فيها ؟ { إن كنتم صادقين } في قولكم : إنَّ كل شيء حرم عليكم كان حراماً على إبراهيم ، رُوِيَ : أنه - عليه الصلاة والسلام - لما قال لهم ذلك بهتوا ، ولم يجسروا أن يأتوا بالتوراة ، فتبين افتراؤهم على الله { فمن افترى على الله الكذب } بزعمه أن الله حرَّم لحوم الإبل وألبانها قبل نزول التوراة ، { من بعد ذلك } البيان وإلزامهم الحجة ، { من بعد ذلك } المكابرون بالباطل بعدما وضَح الحق . { قل } لهم يا محمد : { صدق الله } فيما أنزل ، وكذبتم فيما قلتم ، فتبين أن ملة إبراهيم هي الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فأسلموا ، واتبعوا { ملة إبراهيم حنيفاً } ، فإن ملة الإسلام موافقة لملة إبراهيم ، أو عينُها ، فادخلوا فيه وتخلصوا من اليهودية التي اضطرتكم إلى التحريف والمكابرة ، وألزمَتْكُم تحريمَ طيباتٍ أحلها الله لإبراهيم ومن تبعه ، وقد خالفتم التوراة التي زعمتم أنكم متمسكون بها ، وأشركتم مع الله عزيراً وغيره ، وقد كان إبراهيم حنيفاً مسلماً { وما كان من المشركين } . قال البيضاوي : فيه إشارة إلى أن اتَّبَاعَهُ - أي : إبراهيم - واجبٌ في التوحيد الصرف والاستقامةِ في الدين ، والتجنب عن الإفراط والتفريط ، وتعريض بشرك اليهود . هـ . الإشارة : إذا تحقق للفقير الإخلاص ، وحصل على التوحيد الخاص ، كان الطعام كله حلالاً له ، لأنه يأخذه بالله ، ويتناوله من يد الله ويدفعه لله ، مع موافقة الشريعة ، ولم يغض من أنوار الطريقة بحيث لا يصحبه شرهٌ ولا طمعٌ . وكان عبد الله بن عمر يقول : كُلْ ما شئت ، والبَسْ ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سرف أو مخيلة . هـ . وإنما امتنعت العباد والزهَّادُ من تناول الشهوات المباحات خوفاً على أنفسهم أن تجمح بهم إلى تناول أسبابهما ، فتعطلهم عن العبادة ، وكذلك المريدون السائرون ، ينبغي لهم التقلل من تناولها لئلا يتعلق قلبهم بشيء منها ، فتعطلهم عن السير ، وأما الواصلون العارفون ، فقد تحقق فناؤهم وبقاؤهم ، فهم يأخذون بالله من يد الله ، كما تقدم . والحاصل : أن النفس ما دامت لم تُسلم ولم تنقد إلى مشاهدة ربها ، وجب جهادها ومخالفتها ، فإذا أسلمت وانقادت إلى ربها ، وجب الصلح معها وموافقتها فيما يتجلى فيها ، والله تعالى أعلم . ولمّا كانت اليهود لا تحجُّ بيت الله الحرام ، الذي بناه خليل الله إبراهيم عليه السلام ، مع زعمهم أنهم على ملته ، ردَّ الله تعالى عليهم بقوله : { إن أول بيت … } الخ ، وقيل : تفاخر المسلمون واليهود ، فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل لأنه مهاجر الأنبياء ، وقال المسلمون : الكعبة أفضل لأنه أول بيت وضع في الأرض .