Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 17-19)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " فسبحان " : مصدر لمحذوف ، أي : سبحوا سبحان . وحين : متعلق بذلك المحذوف ، وجملة : وله الحمد : معترضة بين معطوفات الظروف . وفي السموات : حال من الحمد ، أي : وله ، على عباده ، الحمد كائناً في السموات … إلخ . يقول الحق جل جلاله : { فسبحانَ اللهِ } أي : فسبّحوا الله ونزّهوه تنزيهاً يليق به في هذه الأوقات التي تظهر قدرته ، وتجدد فيها نعَمه ، وهي { حينَ تُمسون } تدخلون في المساء { وحين تُصبحون } تدخلون في الصباح . { وله الحمدُ في السماوات والأرض } أي : وله ، على المميّزين كلّهم ، من أهل السموات والأرض ، أن يحمدوه ، { وعشيّاً } أي : وسبحوه عشياً آخر النهار ، { وحين تُظْهِرُون } تدخلون في وقت الظهيرة . قال البيضاوي : وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لأن آثار العظمة والقدرة فيهما أظهر ، تخصيص الحمد بالعشي - الذي هو آخر النهار ، من عشى العين إذ نقص نورها - والظهيرة - التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيها أكثر . ويجوز أن يكون { عَشِيّاً } معطوف على { حين تُمسون } ، وقوله : { وله الحمد … } إلخ - اعتراضاً . وعن ابن عباس : الآيةُ جامعة للصلوات الخمس ، تُمسون : صلاتا المغرب والعشاء ، تصبحون : صلاة الفجر ، وعشياً : صلاة العصر ، وتُظهرون صلاة الظهر . ولذلك زعم الحسن أنها مَدَنِيَّةٌ لأنه كان يقول : كان الواجب عليه بمكة ركعتين ، في أي وقت اتفقت ، وإنما فرضت الخمس بالمدينة . والأكثر على أنها فرضت بمكة . هـ . ثم ذكر وجه استحقاقه للحمد والتنزيه بقوله : { يُخرج الحيَّ من الميت } ، الطائر من البيضة ، والإنسان من النطفة ، أو : المؤمن من الكافر ، والعالم من الجاهل . { ويُخرج الميتَ من الحيّ } ، البيضة من الطائر ، والنطفة من الإنسان ، أو : الكافر من المؤمن ، والجاهل من العالم . { ويحيي الأرضَ } بالنبات { بعد موتها } يبسها ، { وكذلك تخرجون } ، والمعنى : أن الإبداء والإعادة متساويان في قدرة مَن هو قادر على إخراج الحي من الميت ، وعكسه . رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ { فسبحان الله حين تمسون } … إلى الثلاث آيات ، وآخر سورة الصافات : { سبحان ربك رب العزة … } إلخ … دُبُرَ كُلّ صلاة ، كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء ، وقطر الأمطار ، وورق الأشجار ، وتراب الأرض . فإذا مات أجرى له بكل لفظ عشر حسنات في قبره " نقله الثعلبي والنسفي . وعنه - عليه الصلاة والسلام : " مَن قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : { فسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ } … إلى قوله : { وكذلك تخرجون } أدْرَكَ ما فَاتَهُ في يوْمِهِ ، ومن قاله حين يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ " رواه ابو داود . وقال الضحاك : من قال : { فسبحان الله حين تمسون … } إلخ كان له كعدل مائتي رقبة من ولد إسماعيل . هـ . زاد كعب : ولم يفته خَيْرٌ كان في يومه ، ولا يدركه شر كان فيه . وإن قالها في السماء فكذلك . وكان إبراهيم الخليل عليه السلام يقرها ست مرات في كل يوم وليلة . هـ . الإشارة : أما وجه الأمر بالتنزيه حين المساء والصباح فلأنَّ المجوس كانوا يسجدون للشمس في هذين الوقتين تسليماً وتوديعاً ، فأمر الحق تعالى المؤمنين أن ينزهوه عمن يستحق العبادة معه ، وأما العشي فلأنه وقت غفلة الناس في جميع حوائجهم ، وأما وقت الظهيرة فلأن جهنم تشتعل فيه كما في الحديث ، وأمر بحمده والثناء عليه في كل وقت لما غمرهم من النِعَم الظاهرة والباطنة . قال القشيري : فمن كان صباحُه بالله بُوركَ له في يومه ، ومن كان مساؤه بالله بورك له في ليلته ، وأنشدوا : @ وإنَّ صَبَاحاً نلتقي في مسائه صَبَاحٌ على قلب الغريب حبيبُ @@ شتَّان بين عبد : صباحُه مُفْتَتَحٌ بعبادته ، ومساؤه مُخْتَتَمٌ بطاعته ، وبين عبدٍ : صباحه مُفتتح بمشاهدته ، ورواحه مختتم بعزيز رؤيته . قلت : الأول من عامة الأبرار ، والثاني من خاصة العارفين الكبار ، وبقي مقام الغافلين ، وهو : من كان صباحه مفتتح بهم نفسه ، ومساؤه مختتم برؤية حسه ، ثم ذكر احتمال الصلوات الخمس في الآية ، كما تقدم - ثم قال : وأراد الحق من أوليائه أن يجددوا العبودية في اليوم والليلة خمس مرات ، فيقف على بساط المناجاة ، ويستدرك ما فاته بين الصلاتين من صوارف الزلات . هـ . وقوله تعالى : { يُخرج الحي من الميت } يُخرج الذاكر من الغافل ، والغافل من الذاكر ، والعارف من الجاهل ، والجاهل من العارف ، ويُحيي أرض النفوس باليقظة والمعرفة بعد موتها بالغفلة والجهل وكذلك تُخرجون من قبوركم على ما متم عليه من معرفة أو جهل ، من يقظة أو غفلة ، يموت المرء على ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه . والله تعالى أعلم . ثم ذكر دلائل البعث والخروج ، فقال : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ … }