Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 41-42)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { ظهر الفسادُ في البر والبحر } ، أما الفساد في البر ، فكالقحط ، وقلة الأمطار ، وعدم الريع في الزراعات والربح في التجارات ، ووقوع الموتان في الناس والدوابّ ، ومحق البركات من كل شيء . وأما في البحر فبكثرة الغرق ، وانقطاع صيده . { بما } وذلك بسبب ما { كسبتْ أيدي الناس } من الكفر والمعاصي ، ولو استقاموا على الطاعة لدفع الله عنهم هذه الآفات . أظهر فيهم ذلك { ليذيقهم بعض الذي عملوا } أي : ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا ، قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة ، عن " قُنْبل ويعقوب " : بنون التكلم . { لعلهم يرجعون } عما هم عليه من المعاصي . { قل } لكفار قومك { سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلُ } لتُعاينوا ما فعلنا بهم بسبب كفرهم ومعاصيهم لأنه { كان أكثرُهم مشركين } فدمرناهم ، وخربنا ديارهم ، فانظروا : كيف كان عاقبتهم ، لعلكم ترجعون عن غَيكم . الإشارة : قال القشيري : الإشارة في البَرِ إلى النفس ، وفي البحر إلى القلب ، وفسادُ البرّ بأَكْلِ الحرام وارتكاب المحظورات ، وفسادُ البحر من الغفلة والأوصاف الذميمة ، مثل سوء العزم ، والحسد والحقد ، وإرادة الفسوق ، وغير ذلك . وعَقْدُ الإصرار على المخالفات من أعظم فساد القلب ، كما أنَّ العَزْمَ على الخيرات ، قبل فِعْلها ، من أعظم الخيرات . ومن جملة الفساد : التأويلاتُ بغير حقٍّ ، والانحطاطُ إلى الرُّخَصِ من غير قيام بحقٍ ، والإغراق في الدعاوى من غير استحياء . هـ . قال الورتجبي : إن الله غلب الإنسانية على الكون طاعةً ومعصية ، فإذا رزق الإنسان الطاعة صلح الأكوان ببركتها ، وإذا رزق المعصية فسد الحدثان بشؤم معصيته لأن طاعته ومعصيته من تواثير لطفه وقهره ، عَلاَ بنعت الاستيلاء على الوجود ، فإذا فسادها يؤثر في بَرِّ النفوس وبحار القلوب ، ففساد بَرَّ النفوس : فَتْرَتُهَا عن العبودية ، وفساد بحر القلب : احتجابه عن مشاهدة أنوارالربوبية . هـ . قلت : وقد يقال : ظهر الفساد في بر الشريعة بذهاب حَمَلَتِهَا ، ومن يحفظها ، ويذب عنها ، وفي بحر الحقيقة بقلة صدق من يطلبها ، وغربة أهلها ، واختفائها حتى اندرست أعلامها ، وخفي آثارُها ، والبركة لا تنقطع . وذلك بسبب ما كسبت أيدي الناس من إيثار الدنيا على الله ليذيقهم وبال القطيعة ، لعلهم يرجعون إليه ، إما بملاطفة الإحسان ، أو بسلاسل الامتحان . قال في لطائف المنن : سأل بعضُ العارفين عن أولياء العدد ، هل ينقصون ؟ فقال : لو نقص منهم واحد ما أرسلت السماء قَطْرَهَا ، ولا أنبتت الأرض نباتها ، وفساد الوقت لا يكون بذهاب أعدادهم ، ولا بنقص أمداداهم ، ولكن إذا فسد الوقت كان مراد الله وقوع اختفائهم ، مع وجود بقائهم . فإذا كان أهل الزمان مُعْرضين عن الله ، مؤثرين لما سوى الله لا تنجح فيهم الموعظة ، ولا تميلُهم التذكرة ، لم يكونوا أهلاً لظهور أولياء الله تعالى فيهم ، ولذلك قالوا : أولياء لله عرائس ولا يرى العرائسَ المجرمون . هـ . قال القشيري : قل سيروا بالاعتبار ، واطلبوا الحقَّ بنعت الافتكار ، وانظروا : كيف كان حال من تقدمكم من الأشكال والأمثال ؟ وقيسوا عليها حُكْمَكم في جميع الأحوال ، كان أكثرهم مشركين : كان أكثرهم عدداً ، ولكن أقل في التحقيق وزناً وقَدْراً . هـ . ثم أمر بالتأهّب ليوم المعاد وبه يندفع عن الخلق الفساد ، فقال : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ ٱلْقِيِّمِ … }