Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 8-8)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " في أنفسهم " : يحتمل أن يكون ظرفاً ، أي : أَوَ لمْ يحدثوا التفكر فيها ، وأن تكون صلة للتفكر ، نحو : تفكر في الأمر : أجال فيه فكره . والأول أظهر . يقول الحق جل جلاله : { أَوَ لَمْ يَتَفَكروا في أنفسهم } أي : أَوَ لَمْ يثبتوا التفكر في أنفسهم ، أي : في قلوبهم الفارغة ، فيتفكروا بها في مصنوعات الله ، حتى يعلموا أنها ما خُلِقَتْ عبثاً ، والتفكر لا يكون إلا في القلوب ، ولكن زيادة تصوير لحال المتفكرين ، كقوله : اعتقده في قلبك . أو : أَوَلَمْ يتفكروا في أنفسهم ، التي هي أقرب إليهم من غيرها ، وهم أعلم بأحوالها ، فيتدبروا ما أودعها الله تعالى ، ظاهراً وباطناً ، من غرائب الحكمة الدالة على التدبير من الحكيم القديم ، وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى وقت تجازي فيه ، على الإحسان إحساناً ، وعلى الإساءة مثلها ، حتى يعلموا ، عند ذلك ، أن سائر الخلائق مثلها ، وأنه لا بُدَّ لهم من الانتهاء إلى ذلك الوقت ، فعلموا أن { ما خَلَقَ الله السماواتِ والأرض وما بينهما إلا بالحقِ وأَجَلٍ مُّسَمىًّ } أي : ما خلقها باطلاً وعبثاً من غير حكمة ، ولا لتبقى خالدة ، وإنما خلقها مقرونة بالحق ، مصحوبة بالحكمة البالغة ، وتنتهي إلى أجل مسمى ، وهو قيامُ الساعة ، ووقت الحساب ، بالثواب والعقاب ، فيخرب هذا العالم ، ويقوم عالم آخر ، لا انتهاء لوجوده . قال في الحاشية الفاسية : وبالجملة : فخلقُ السموات والأرض للدلالة على التوحيد بوجودهما ، وعلى الآخرة بفنائهما ، وانقضاء أجلهما . ثم قال : والحاصل أن خلقه بمقتضى الحكمة يقتضي جزاء أوليائه ، وتعذيب أعدائه . وقد نصب تعالى القلب شاهداً ومُنزلاً منزلة الآخرة ، والقلب منزلة الدنيا ، وكما أن عمل القالب يعود نفعه ، إذا فعل الطاعة ، على القلب بالتنوير والتقريب لحضرة الربوبية ، ويعود ضرره عليه ، إذا فعل ضد ذلك ، كما يعرفه أهل القلوب ، وأنه مزرعة للقلب ، ولا بقاء له ، وإنما خلق لقضاء ذلك ، فكذلك الدنيا مزرعة للآخرة ، وإنما خلقت لذلك ، كما يعرفه أهل القلوب والبصائر الصافية السالمة ، فاعتبر ذلك . هـ . { وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم } بالبعث والجزاء { لكافرون } : لجاحدون . الإشارة : قد تقدم الكلام على فضل التفكر في آل عمران . وقوله تعالى : { إلا بالحق } أي : ما خلق الكائنات إلا بالحق ، من الحق إلى الحق ، فهي من تجليات الحق ، ثابتة بإثباته ، ممحوة بأحدية ذاته ، فالحق عبارة عن عين الذات عند أهل الحق ، فافهم . ثم قال زيادةً في الأمر ، بالاعتبار أو تقول : لما ذكر عمهم بظاهر الحياة الدنيا ذكر أن من قبلهم كانوا أعلم بها ولم ينفعهم مع التكذيب ، فقال : { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ … }