Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 9-10)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : من رفع " عاقبة الذين أساءوا " فالسوأى منصوب خبر كان ، ومن نصب " عاقبة " فالسُّوأى : مرفوع اسمها ، أو : مصدر لأساؤوا . انظر البيضاوي . والسُّوأى : تأنيث أسوأ . وأن كذبوا : مفعول من أجله ، أو : بدل ، على أن معنى أساءوا : كفروا . يقول الحق جل جلاله : { أوَ لَمْ يَسيروا } اي : أَعَمُوا ولم يسيروا { في الأرض } ، ثم قرره بقوله : { فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم } أي : فينظروا إلى آثار الذين من قبلهم كيف دمرهم الله ، وأخلا بلادهم ، وبقيت دارسة بعدهم ، كعاد وثمود ، وغيرهم من الأمم العاتية ، والجبابرة الطاغية ، { كانوا أشدَّ منهم قوةً } حتى كان منهم من يفتل الحديد بيده ، { وأثاروا الأرض } قلبوا وجهها بالحراثة ، واستنباط المياه ، واستخراج المعادن ، وغير ذلك . { وعَمَروها } اي : عمرَ المدمَّرون الأرض { أكثرَ مما عَمَروها } أي : أهل مكة ، فأكثر : صفة لمصدر محذوف . وما : مصدرية ، أي : عمارة هؤلاء ، فإنهم أهل واد غير ذي زرع ، ولا تَبَسُّطَ لهم في غيرها . وفيه تهكم بهم من حيث أنهم عمروا الأرض ، مغترون بالدنيا ، مفتخرون بها ، وهو أضعف حالاً فيها إذ مدار أمرها على التبسّط في البلاد ، والتسلط على العباد ، والتصرف في أقطار الأرض بأنواع العمارة ، وهم ضعفاء مُلْجؤونَ إلى واد لا نفع فيه . قال البيضاوي . { وجاءتهم رسلُهم بالبينات } بالمعجزات الواضحات ، فلم يؤمنوا فأُهلِكوا ، { فما كان الله ليظلمهم } بأن دمرهم بلا سبب ، أو : من غير إعذار ، { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } حيث ارتكبوا ما أدى إلى تدميرهم . { ثم كان عاقبةُ الذي أساءوا } بالكفر والمعاصي { السُّوأى } أي : العقوبة السوأى ، والأصل : ثم كان عاقبتهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم ، وهو إساءتهم . والمعنى : أنهم عوقبوا في الدنيا بالدمار ، ثم كان عاقبتهم في الآخرة العقوبة التي هي أسوأ العقوبات ، وهي النار التي أُعدت للكافرين . لأجل { أن كذَّبوا } أو : بأن كذَّبوا { بآيات الله } الدالة على صدق رسله ، أو : على وحدانيته . { وكانوا بها يستهزؤون } حيث قابلوها بالتكذيب ، أو : غفلوا عن التفكر فيها . أو : ثم كان عاقبة الذين اقترفوا الخطيئة السُّؤاى أن طبع الله على قلوبهم ، حتى كذّبوا بالآيات ، واستهزءوا بها . أو : ثم كان عاقبة الذين فعلوا الفعلة السوأى ، وهو أن كذّبوا واستهزءوا ، أن يلحقهم ما تعجز عنه نطاق العبارة ، فخبر كان ، على هذا : محذوف للتهويل . وأن كذبوا : بيان ، أو : بدل من السوأى . والله تعالى أعلم . الإشارة : السير إلى الله على أقسام : سَيْرُ النفوس : بإقامة عبادة الجوارح لطلب الأجور ، وسَيْرُ القلوب : بجَولاَنها في ميادين الأغيار ، للتبصر والاعتبار ، طلباً للحضور ، وسير الأرواح : بجولان الفكرة في ميادين الأنوار طلباً لرفع الستور ودوام الحضور ، وسير الأسرار : الترقي في أسرار الجبروت ، بعد التمكن من شهود أنوار الملكوت على سبيل الدوام . قال القشيري : سَيْرُ النفوس في أوطان الأرض ومناكبها لأداء العبادات ، وسَيْرُ القلوب بجَوَلاَن الفكْر في جميع المخلوقات ، وغايته : الظَّفَرُ بحقائق العلوم التي تُوجبُ ثلج الصدور - ثم تلك العلوم علىدرجات - وسَيْرُ الأرواح في ميادين الغيب : بِنَعْتِ خَرْقِ سُرَادِقَات الملكوت . وقُصَاراه : الوصولُ إلى ساحل الشهود ، واستيلاء سلطان الحقيقة . وسَيْرُ الأسرار : بالترقي - أي : الغيبة - عن الحِدْثان بأَسْرها ، والتحقق ، أولاً ، بالصفات ، ثم بالخمود ، بالكلية ، عمَّا سوى الحق . هـ . وقال في قوله : { ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السُّوأى } : من زَرَعَ الشوكَ لم يحصدُ الوَرْدَ ، ومَنْ استنبت الحشيش لم يقطف البهار ، ومَنْ سَلَكَ سبيل الغيّ لم يَحْلُلْ بساحة الرشد . هـ . ثم ذكر شأن البعث الذي هو عاقبة المسيء والمحسن ، فقال : { ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ … }