Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 14-15)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الجملتان معترضتان بين أجزاء توصية لقمان لابنه . ووَهْناً : حال من أمه ، أي : حملته حال كونها ذَاتَ وَهْنٍ ، أو من الضمير المنصوب ، أي : حملته نُطْفَةً ، ثم علقة … إلخ ، أو مصدر ، أي : تهن وهناً . يقول الحق جل جلاله : { ووصينا الإنسانَ بوالديه } أن يَبَرَّهُمَا ويُطِيعَهُمَا ، ثم ذكر الحامل على البر فقال : { حَمَلَتْهُ أُمُّه وَهْناً على وَهْنٍ } أي : تضعف ضعفاً فوق ضعف ، أي : يتزايد ضعفها ويتضاعف لأن الحمل ، كلما ازداد وعظم ، ازدادت ثِقلاً . { وفِصَالهُ في عامين } أي : فطامه لتمام عامين . وهذا أيضاً مما يهيج الولد على بر والديه ، فيتذكر مَرْقده في بطن أمه ، وتعبَها معه في مدة حَمْلِةِ ، ثم ما قاست من وجع الطلق عند خروجه ، ثم ما عالجته في أيام رضاعه من تربيته ، وغسل ثيابه ، وسهر الليل في بكائه ، إلى غير ذلك . { أن اشكر لي ولوالديك } ، هو تفسير لِوَصَّينَا ، أو على حذف الجار ، أي : وصيناه بشكرنا وبشكر والديه . وقوله : { حملته أمه … } إلخ : اعتراض بين المفسَّر والمفسِّر ، لأنه لَمَّا وصى بالوالدين ، ذكر ما تُكابده وتُعاينه من المشاق في حمله وفصاله ، هذه المدة الطويلة تذكيراً لحقها ، مفرداً . وعن ابن عُيَيْنَةَ : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ، ومن دعا للوالدين ، في أدبار الصلوات الخمس ، فقد شكرهما . هـ . وقال القشيري : والإجماع على أن شكر الوالدين بدوام طاعتهما . ثم قال : فشكرُ الحقِّ بالتعظيم والتكبير ، وشكرُ الوالدين بالإشفاق والتوقير . هـ . ثم قال تعالى : { إليَّ المصيرُ } فأحاسبك على شكرك ، أو كفرك . { وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به عِلْمٌ } ، أراد بنفي العلم به نفيَه من أصله ، أي : أن تشرك بي ما ليس بشيء . أو : ما ليس لك به علم باستحقاقه الإشراك مع الله ، بل تقليداً لهما ، { فلا تُطِعْهُما } في ذلك الشرك . { وصاحبهما في الدنيا معروفاً } أي : صِحَاباً معروفاً يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم ، وهو الخُلُقُ الجميل ، بِحِلْمٍ ، واحتفالٍ ، وبر ، وصلة . وقد تقدم تفسيره في الإسراء . { واتبع سبيل من أناب إلي } أي : اتبع طريق مَنْ رَجَعَ إليَّ بالتوحيد والإخلاص ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ، ولاتتبع سبيلهما ، وإن كنت مأموراً بحسن مصاحبتهما في الدنيا ، وقال ابن عطاء : اتبع سبيل من ترى عليه أنوار خدمتي . هـ . { ثم إليَّ مرجِعكُم } أي : مرجعك ومرجعهما ، { فأُنَبِئُكم بما كنتم تعملون } فأجازيك على إيمانك وَبِرِّكَ وأجازيهما على كفرهما . وَاعْتَرَضَ بهاتين الآيتين ، على سبيل الاستطراد تأكيداً لِمَا في وصية لقمان من النهي عن الشرك ، يعني : إنما وصيناه بوالديه ، وأمرناه ألا يطيعَهُمَا في الشرك ، وإن جاهدا كل الجهد لقبح الشرك . وتقدم أن الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وأنه مضت لأمه ثلاث ليال لم تَطْعم فيها شيئاً ، فشكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ، وقيل : من أناب : أبو بكر لأن سعداً أسلم بدعوته . والله تعالى أعلم . الإشارة : بر الوالدين واجب ، لاسيما في حق الخصوص ، فيطيعهما في كل شيء ، إلا إذا منعاه من صحبة شيخ التربية ، الذي يُطهر من الشرك الخفي ، الذي لا ينجو منه أحد ، فإن الآية تشمله بطريق العموم والإشارة . أي : وإن جاهداك على أن تشرك بي متابعة هواك وحظوظك ومحبتهن ، فلا تُطعهما ، وصاحبهما في الدنيا معروفاً ، واتبع سبيل من أناب إليَّ ، هو شيخ التربية في علم الإشارة . وقد تقدم قول الجنيد : أمرني أبي بشيء ، وأمرني السّري بشيء ، فقدمت أمر السّري ، فرأيت سراً كبيراً . وكان شيخ شيوخنا الولي الشهير ، سيدي يوسف الفاسي ، يأتيه شاب من أولاد كبراء فاس ، وكان أبوه ينهاه ويزجره عن صحبته ، وربما بلغ لمجلس الشيخ فيؤذيه ، فكان الشيخ يقول للشاب : أطع أباك في كل شيء إلا في الإتيان إلينا . هـ . وكان بعض المشايخ يقول : ائتوني ولو بسخط الوالدين ، إذ لا يضره ذلك ، حيث قصد إصلاح نفسه ودواءها . وقال الشيخ السنوسي ، في شرح عقائد الجزائري ، ما نصه : وحاصل الأمر في النفس : أنها شبيهة ، في حالها ، بحال الكافر الحَرْبِيّ ، الذي يريد أن تكون كلمة الكفر هي العليا ، وكلمة التوحيد السفلى ، وكذلك النفس تريد أن تكون كلمة باطلها من الدعاوى للحظوظ العاجلة ، المُشْغِلة عن إخلاص العبودية لمولانا جل وعلا ، وعن القيام بوظائف تكاليفه ، على الوجه الذي أمر به ، هي العليا ، النافذ أمرها ونهيها في مُدُنِ الأجسام وما تعلق بها ، بعد أن نزلت ساحة الأبدان ، واتصلت اتصالاً عظيماً لا انفكاك له إلا بالموت ، فوجب ، لذلك ، على كل مؤمن يُعظّم حرمات الله تعالى أن ينهض كل النهوض ، بغاية قواه العِلمية والعملية ، لجهادها وقتالها . وفي مثل هذا القتال الذي نزل العدو فيه بساحة الأبدان ، وهو فرض عين على كل مؤمن ، يسقط فيه استئذان الأبوين وغيرهما . هـ . فأنت ترى كيف جعل قيام النفس على العبد ، وحجابها له عن ربه ، كعدو يجب جهاده ولو خالف الوالدين ، وهو كذلك إذ طاعة الوالدين لا تكون في ترك فرض ، ولا في ارتكاب معصية ، ومن جملة المعاصي ، عند الخواص ، رؤية النفس والوقوف معها ، وفي ذلك يقول الشاعر : @ فَقلتُ : ومَا ذنبي ؟ فَقَالَتْ مُجِيبَةً : وُجُودُكَ ذَنْبٌ لا يُقاس بِهِ ذَنْبُ @@ وتطهير النفس فرض عين ، ولا طاعة للوالدين في فرض العين . وقوله تعالى : وصاحبهما في الدنيا معروفاً قال الورتجبي : المعروف ، ها هنا ، أن تُعرفهما مكان الخطأ والغلط في الدين عند جهالتهما بالله . { واتبع سبيل من أناب إليَّ } ، نهاه عن متابعة المخلَّطِين ، وحثه على متابعة المنيبين . هـ . وبالله التوفيق . ثم قال لقمان في وصيته : { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ … }