Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 20-21)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { أَلَمْ تَرَوْا أن الله سخر لكم ما في السماوات والأرض } ، يعني : الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والسحاب ، والمطر ، وغير ذلك ، { وما في الأرض } ، يعني : البحار والأنهار ، والأشجار ، والثمار ، والدواب ، والمعادن ، وغير ذلك ، { وأسْبَغَ } : أتم { عليكم نِعَمَه } ، بالجمع ، والإفراد إرادة الجنس . والنعمة : ما يسر به الإنسان ويتلذذ به ، حال كونها { ظاهرةً } ما تدرك بالحس ، { وباطنة } ما تدرك بالعلم والوجدان . فقيل : الظاهرة . السمع ، والبصر ، واللسان ، وسائر الجوارح الظاهرة ، والباطنة : القلب ، والعقل ، والفهم ، وما أشبه ذلك . أو : الظاهرة : الصحة والعافية ، والكفاية والباطنة : الإيمان ، واليقين ، والعلم والمعرفة بالله ، وسيأتي في الإشارة بقيتها . رُوي أن موسى عليه السلام قال : دُلني على أخفى نعمتك على عبادك ، فقال : أخفى نعمتي عليهم : النَّفسُ . هـ . قلت : إذ بمجاهدتها تحصل السعادة العظمى ، ولا وصول إليه إلا بمجاهدتها والغيبة عنها . وفي هذا المعنى كان شيخ شيخنا يقول : جزاها الله عنا خيراً ما ربحنا إلا منها . هـ . وقيل : الظاهرة : تحسين الخلْق ، والباطنة : حُسْنُ الخلقُ . وقال ابن عباس : الظاهرة : ما سوى من خلقك ، والباطنة : ما ستر من عيوبك . { ومن الناس من يُجادل في الله } بعد هذه النعم المتواترة ، أي : في توحيده وصفاته ودينه ، { بغير علم } مستفاد من دليل ولا برهان ، { ولا هُدىً } اي : هداية رسول ، { ولا كتاب منير } أنزله الله ، بل بمجرد التقليد الردي . نزلت في النضر بن الحارث . وقد تقدمت في الحج . { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله } على رسوله من التوحيد ، والشرائع ، { قالوا بل نتبعُ ما وجدنا عليه آباءنا } من عبادة الأصنام . وهو دليل منع التقليد في الأصول . قاله البيضاوي قلت : والمشهور أن إيمان المقلِّد صحيح . وأما من قلَّد الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولم ينظر ، فهو مؤمن ، اتفاقاً . قال تعالى : { أَوَ لَو } أيتبعونهم ، ولو { كان الشيطانُ يدعوهم إلى عذاب السعير } ، يحتمل أن يكون الضمير لهم ، أي : أيقلدونهم ، ولو كان يدعوهم بذلك التقليد إلى العذاب ، أو : لآبائهم ، أي : أيتبعون آباءهم ، ولو كان الشيطان في زمانهم يدعوهم إلى عذاب السعير . الإشارة : الأكوان كلها خُلِقَتْ لك أيها الإنسان ، وأنت خُلِقْتَ للحضرة ، فاعرف قَدْرَكَ ، ولاتتعدَّ طَوْرَكَ ، واشكر النعم لتي أسبغ عليك ظاهرة وباطنة . الظاهرة : استقامة الظواهر في عمل الشرائع ، والباطنة : تصفية البواطن لتتهيأ لأنوار الحقائق ، أو : الظاهرة : المنن ، والباطنة : المحن . قال القشيري : قد تكلموا في الظاهرة والباطنة وأكثروا . فالظاهرةُ : وجودُ النعمة ، والباطنةُ : شهودُ المنعِم ، أو : الظاهرةُ : الدنيويةُ ، والباطنة : الدينية . أو : الخلْق والخُلق ، أو : نَفْس بلا زَلَّة ، وقلبٌ بلا غفلة ، أو : عطاء ورضى . أو : الظاهرة : في الأموال ونمائها ، والباطنة : في الأحوال وصفائها ، أو : الظاهرة : النعمةُ ، والباطنة : العصمةُ ، أو : الظاهرةُ : توفيقُ الطاعات ، والباطنة : قبولُها ، أو : الظاهرة : صحبة العارفين ، والباطنةُ : حِفْظُ حُرْمَتِهم وتعظيمهم . أو : الظاهرة : الزهدُ في الدنيا ، والباطنة : الاكتفاءُ بالله من الدنيا والعُقبى . أو : الظاهرة : الزهد ، والباطنة : الوَجْدُ . أو : الظاهرة : توفيق المجاهدة ، والباطنة : تحقيقُ المشاهدة ، أو : الظاهرة : وظائف النَّفْس ، والباطنة : لطائف القلب ، أو : الظاهرة : اشتغالُك بنفسك عن الخلق ، والباطنة : اشتغالك بربَّك عن نفسك ، أو : الظاهرة : طَلَبَهُ ، والباطنة : وجودُه ، أو : الظاهرةُ : أنْ تَصِلَ إليه ، والباطنة : أن تبقى معه . هـ . ببعض المعنى . ثم قال القشيري : { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله … } الآية : لم يتخطوا أمثالَهم ، ولم يهتدوا إلى تحوِّل أحوالهم . هـ . يعني : قلدوا أسلافكم في الإقامة مع الرسوم والأشكال ، والانهماك في الحظوظ ، فعاقبهم ذلك عن السير والوصول . ولا حول ولا قوة إلا بالله . وأمّا من خالف امتثاله وأشكاله وانقاد بكليّته إلى مولاه فقد استمسك بالعروة الوثقى ، كما قال تعالى : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ … }