Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 18-20)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { أفمن كان مؤمناً } بالله ورسله { كمن كان فاسقاً } خارجاً عن الإيمان { لا يستوون } أبداً عند الله تعالى . وأفرد أولاً مراعاةً للفظ " من " ، وجمع ثانياً مراعاة لمعناها . ثم فصّل حالهم بقوله : { أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جناتُ المأوى } أي : المسكن الحقيقي ، وأما الدنيا ، فإنها منزل انتقال وارتحال ، لا محالة ، وقيل : المأوى : جنة من الجنان . قال ابن عطية سميت جنة المأوى لأن أرواح المؤمنين تأوي إليها . هـ . أي : في الدنيا لأنها في حواصل طير خضر ، كما ورد في الشهداء ، وأما الصدِّيقون فإنها تشكل على صور أجسادها ، تسرح حيث شاءت . { نُزُلاً بما كانوا يعملون } أي : عطاء معجلاً بأعمالهم . والنُزُل : ما يقدم للنازل ، ثم صار عاماً . { وأما الذين فسقوا فمأواهم النارُ } أي : هي ملجأهم ومنزلُهم ، { كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها } ، فلا خروج منها ، ولا موت ، { وقيل } لهم : { ذُوقُوا عذابَ النار الذي كنتم به تُكذِّبون } ، هذا دليل على أن المراد بالفاسق : الكافر إذ التكذيب يقابل الإيمان . قال ابن جزي : فإن قيل : لِمَ وصف ، هنا ، العذاب ، وأعاد عليه الضمير ، ووصف ، في سبأ ، النار وأعاد عليها الضمير ، فقال : { عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } [ سبأ : 42 ] ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول : أنه خص العذاب في السجدة بالوصف اعتناء به لَمَّا تكرر ذكره في قوله : { لنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر … } ، الثاني : أنه تقدم في السجدة ذكر النار ، فكان الأصل أن يذكرها بعد ذلك بلفظ المضمر ، لكنه جعل الظاهر مكان المضمر ، فكما لا يوصف المضمر لم يوصف ما قام مقامه ، وهو النار ، فوصف العذاب ، ولم يصف النار ، الثالث - وهو الأقوى : أنه امتنع في السجدة وصف النار ، فوصف العذاب ، وإنما امتنع وصفها لتقدم ذكرها ، فإنك إذا ذكرت شيئاً ثم كررت ذكره لم يجز وصفه ، كقولك : رأيت رجلاً فأكرمت الرجل . فلا يجوز وصفه لما يوهم أنه غيره . هـ . الإشارة : أفمن كان مصدقاً بطريق الخصوص ، داخلاً فيها ، شارباً من خمرتها ، كمن كان فاسقاً خارجاً عنها ، مشتغلاً بنفسه ، غريقاً في هواه ، لا يستوون أبداً . أما الذين آمنوا بها ، وصدقوا أهلها ، ودخلوا في تربيتهم ، فلهم جنات المعارف ، هي مأواهم ومعشش قلوبهم ، إليها يأوون ، وفيها يسكنون ، وأما الذين فسقوا وخرجوا عن تربيتهم ، فمأواهم نار القطيعة ، وعذاب الحرص ، وغم الحجاب ، كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها إذ لا خروج منها إلا بصحبة أهلها . وقيل لهم : ذوقوا وبال الإنكار ، وحرمان الخصوصية ، التي كنتم بها تكذبون . قال القشيري : هذا ما يلقون يوم القيامة ، ثم ذكر ما يعجُّل لهم في الدنيا ، فقال : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ … }