Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 21-22)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ولنذيقنَّهم من العذاب الأدنى } أي : عذاب الدنيا من القتل ، والأسر في بدر ، أو ما مُحنوا به من السَّنَةِ ، سَبْعَ سنين . { دون العذاب الأكبر } أي : قبل عذاب الآخرة ، الذي هو أكبر ، وهو الخلود في النار . وعن الداراني : العذاب الأدنى : الخذلان ، والعذاب الأكبر : الخلود في النيران . وقيل : الأدنى : عذاب القبر ، والأكبر : النار . { لعلهم يرجعون } يتوبون عن الكفر . { ومن أظلم } أي : لا أحد أظلم { ممن ذُكِّر } أي : وُعظ { بآياتِ ربه } القرآن ، { ثم أعرض عنها } اي : تولى عنها ، ولم يتدبر في معناها . و " ثم " للاستبعاد فإن الإعراض عن مثل هذه في ظهورها ، وإنارتها ، وإرشادها إلى سواء السبيل ، والفوز بالسعادة العظمى ، بعد التذكر بها ، مُسْتَبْعَدٌ في العقل ، كما تقول لصاحبك : وجدت تلك الفرصة ثم لم تنتهِزْها - استبعاداً لتركه الانتهاز . { إنا من المجرمين منتقمون } ، ولم يقل : " منه " ، تسجيلاً عليه بإعراضه بالإجرام ، ولأنه إذا جعله أظلم مِنْ كل ظالم ، ثم توعد المجرمين ، عامة ، بالانتقام ، دلّ على إصابة الأظلم أوفَرُ نصيب الانتقام ، ولو قال بالضمير لم يفد هذه الفائدة . الإشارة : ولنذيقن أهل الغفلة والحجاب ، من العذاب الأدنى ، وهو الحرص والطمع والجزع والهلع ، قبل العذاب الأكبر ، وهو غم الحاجب وسوء الحساب . قال القشيري : قومٌ : الأدنى لهم : مِحَنُ الدُنيا ، والأكبر : عقوبة العُقبى . وقومٌ : الأدنى لهم : فترةٌ تُداخلهم في عبادتهم والأكبر : قسوةٌ تُصيبهم في قلوبهم . وقومٌ : الأدنى لهم : وقفة مع سلوكهم تمسهم . والأكبرُ : حَجْبَةٌ عن مشاهدتهم بسرهم - قلت : الأول في حق العوام ، والثاني : في حق الخواص ، وهم العباد والزهاد . والثالث : في حق أهل التربية من الواصلين - ثم قال : ويقال : الأدنى : الخذلان في الزلة ، والأكبر : الهجران في الوصلة . ويقال : الأدنى : تكدّرُ مَشَارِبِهم ، بعد صفوها ، والأكبر : تَطَاوُلُ أيامِ الحَجْب ، من غير تبيين آخرها . وأنشدوا : @ تَطَاوَلَ بُعْدُنَا ، يا قومُ ، حتى لقد نَسَجَتْ عليه العنكبوتُ @@ هـ . ببعض المعنى . أذقناهم ذلك لعلهم يرجعون إلى الله ، في الدنيا بالتوبة واليقظة . فإن جاء من يُذكِّرهم بالله من الداعين إلى الله ، ثم أعرضوا عنه ، فلا أحد أظلم منهم ، ولا أعظم جُرماً . إنا من المجرمين منتقمون . ولما قرر الأصول الثلاثة ، الرسالة ، وبدء الخلق ، والمعاد ، عاد إلى الأصل الذي بدأ به وهو الرسالة ، فقال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ … }