Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 23-25)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ولقد آتينا موسى الكتابَ } التوراة { فلا تكن في مِرْيةٍ } شك { من لقائه } من لقاء موسى الكتاب ، أو : من لقائك موسى ليلة المعراج ، أو : يوم القيامة ، أو : من لقاء موسى ربَّه في الآخرة ، كذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، { وجعلناه هدى لبني إسرائيل } وجعلنا الكتاب المنزَّل على موسى عليه السلام هُدىً لقومه { وجعلنا منهم أئمةً يَهْدُون } الناس ، ويدعون إلى الله وإلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه ، { بأمرنا } إياهم بذلك ، أو بتوفيقنا وهدايتنا لمن أردنا هدايته على أيديهم ، { لمّا صبروا } على مشاق تعليم العلم والعمل به . أو : على طاعة الله وترك معصيته . وقرأ الأَخَوَان : بكسر اللام ، أي : لصبرهم عن الدنيا والزهد فيها . وفيه دليل على أن الصبر ثمرته إمامة الناس والتقدم في الخير . { وكانوا بآياتنا } التوراة { يُوقنون } يعلمون علماً لا يخالجه شك ولا وَهْم لإمْعانِهم النظر فيها ، أو هِبَةٌ من الله تعالى : { إن ربك هو يَفْصِلُ } يقضي { بينهم يومَ القيامة } أي : بين الأنبياء وأممهم ، أو : بين المؤمنين والمشركين ، { فيما كانوا فيه يختلفون } من الدين ، فيظنه المُحِقُّ من المبطل . الإشارة : أئمة الهدى على قسمين : أئمة يهدون إلى شرائع الدين ، وأئمة يهدون إلى التعرف بذات رب العالمين ، أئمة يهدون إلى معرفة البرهان وأئمة يهدون إلى معرفة العيان . الأولون : من عامة أهل اليمين ، والآخرون : من خاصة المقربين . الأولون صبروا على حبس النفس على ذل التعلم ، والآخرون صبروا على حبس النفس على الحضور مع الحق على الدوام . صبروا على مجاهدة النفوس ، حتى وردوا حضرة القُدُّوس . قال القشيري ، في شأن القسم الثاني : لمّا صبروا على طلبنا سَعِدوا بوجودنا ، وتعدّى ما نالوا من أفضالنا إلى متَّبِعِيهم وانبسط شعاعُ شموسهم على جميع أهلِيهم ، فهم للخلق هُداةً ، وفي الدين عيون ، وللمسترشدين نجوم . هـ . وفي الإحياء : للإيمان ركنان : أحدهما اليقين ، والآخر : الصبر : والمراد باليقين : المعارف القطعية ، الحاصلة بهداية اللهِ عَبْدَهُ إلى أصول الدين ، والمراد بالصبر ، العمل بمقتضى اليقين إذ النفس تعرف أن المعصية ضارة والطاعة نافعة . ولا يمكن ترك المعصية والمواظبة على الطاعة إلا بالصبر . فيكون الصبر نصف الإيمان لهذا الاعتبار . هـ . وقوله تعالى : { إن ربك هو يفصل بينهم … } قال القشيري : يحكم بينهم ، فيُبين المقبول من المردود ، والمهجور من الموصول ، والرّضي من الغَويّ ، والعدو من الوليّ . فكم من بَهجةٍ دامت هناك ! وكم من مهجةٍ ذابت كذلك . هـ . ثم ذكرهم بمن سلف قبلهم ، فقال : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ … }