Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 7-10)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الذي : صفة للعزيز ، أو : خبر عن مضمر . ومن قرأ { خَلَقَهُ } بالفتح فصفة لكل ، ومن سَكَّنَهُ ، فبدل منه ، أي : أَحْسَنَ خَلْقَ كل شَيْءٍ . يقول الحق جل جلاله في وصف ذاته : { الذي أحسن كلَّ شيءٍ خلقه } أي : أبدع خلق كل شيء ، أتقنه على وفق حكمته . أو : أتقن كل شيء من مخلوقاته ، فجعلهم في أحسن صورة . ثم { بدأ خَلْقَ الإنسان } آدم { من طين ثم جعل نسله } ذريته { من سلالةٍ } أي : نطفة مسلولة من سائر البدن ، { من ماءٍ } أي : مَنِيٍّ ، وهو بدل من سلالة ، { مِّهِينٍ } ضعيف حقير . { ثم سوّاه } أي : سوّى صورته في أحسن تقويم ، { ونفخ فيه من روحه } ، أضافه إلى نفسه ، تشريفاً ، إشارة إلى أنه خلق عجيب ، وأن له شأناً ومناسبة إلى حضرة الربوبية ، ولذلك قيل : من عرف نفسه عرف ربه . وقد تقدم في سورة الإسراء ، في الكلام على الروح ، وجه المعرفة منه . { وجعل لكم السمعَ والأَبْصارَ والافئدة } لتسمعوا كلامه ، وتُبصروا آثار قدرته وعجائب حكمته ، وتعقلوا ، فتعرفوا صانعكم ومُدبرَ أمرِكم . { قليلاً ما تشكرون } أي : تشكرون شكراً قليلاً على هذه النعم لقلة التدبر فيها . { وقالوا } منكرين للبعث : { أئذا ضللنا في الأرض } ، أي : صِرْنَا تراباً ، وذهبنا مختلطين بتراب الأرض ، لا نتميز منه ، كما يضل الماء في اللبن . أو : غبنا في الأرض بالدفن فيها ، يقال : ضَلَلَ كضرب ، وضِلل كفرح . وانتصب الظرف في أإذا بقوله : { أئنا لفي خلق جديد } . أي : أُنبعث ، ونُجدد ، إذا ضللنا في الأرض ؟ والقائل لهذه المقالة أُبيّ بن خلف ، وأسند إليهم لرضاهم بذلك ، { بل هم بلقاء ربهم كافرون } جاحدون . لَمّا ذكر كفرهم بالبعث أضرب عنه إلى ما هو أبلغ ، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة ، لا بالبعث وحده . وقال المحشي : أي : ليس لهم جحود قدرته تعالى على الإعادة لأنهم يعترفون بقدرته ، ولكنهم اعتقدوا ألاَّ حساب عليهم ، وأنهم لا يَلْقَوْنَ الله تعالى ، ولا يصيرون إلى جزائه . هـ . والله تعالى أعلم . الإشارة : كل ما أظهر الحق تعالى : من تجلياته الكونية فهي في غاية الإبداع والاتفاق في أصل نشأتها ، كما قال صاحب العينية : @ وَكُلُّ قَبِيح ، إنْ نَسَبْتَ لحُسْنِه أَتَتْكَ مَعَانِي الحُسْنِ فِيهِ تُسَارعُ يُكَمِّلُ نُقْصَانَ القَبِيحِ جَمَالُهُ فَمَا ثَمّ نُقْصَانٌ ، وَلاَ ثَمَّ بَاشِعُ @@ وأكملُها وأعظمُها : خلقةُ الإنسان ، الذي خُلِقَ على صورة الرحمن ، حيث جعل فيه أوصافه من قدرة ، وإرادة ، وعلم ، وحياة ، وسمع ، وبصر ، وكلام ، وهيأه لحضرة القدس ومحل الأنس ، وسخّر له جميع الكائنات ، وهيأه لحمل الأمانة ، إلى غير ذلك مما خص به عبده المؤمن . وأما الكافر فهو في أسفل سافلين . قال الورتجبي : ذكر حسن الأشياء ، ولم يذكر هنا حسن الإنسان غيرةً ، لأنه موضع محبته ، واختياره الأزلي ، كقول القائل : @ وكم أبصرتُ مِن حُسْنٍ ، ولكن عليك ، من الورى ، وقع اختياري @@ قال الواسطي : الجسم يستحسن المستحسنات ، والروح واحديةٌ فردانيةٌ ، لا تستحسن شيئاً . وقال ابن عطاء في قوله : { ثم سواه … } : قوّمه بفنون الآداب ، ونفخ فيه من روحه الخاص ، الذي ، به ، فَضَّله على سائر الأرواح ، لما كان له عنده من محل التمكين ، وما كان فيه من تدبير الخلافة ، ومشافهة الخطاب - بعد أن قال الورتجبي - : أخص الخصائص هو ما سقط من حُسْنِ تَجلِّي ذاته في صورته ، كما ذكر بقوله : { ونفخ فيه من روحه } . هـ . ثم ذكر أمر اللقاء الذي أنكروه فقال : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ … }