Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 9-11)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمةَ الله عليكم } ، أي : ما أنعم الله به عليكم يوم الأحزاب ، وهو يوم الخندق ، وكان بعد حرب أُحد بِسَنَةٍ . { إذ جاءتكُمْ جنودٌ } أي : الأحزاب ، وهم قريش ، وغطفان ، ويهود قريظة والنضير ، وهو السبب في إيتانهم ، { فأرسلنا عليهمْ ريحاً } أي : الصَّبَا ، قال عليه الصلاة والسلام : " نُصرت بالصَّبَا ، وأُهْلكَتْ عاد بالدَّبُور " قيل : كانت هذه الريح معجزة لأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا قريباً منها ، ولم يكن بينهم إلا عُرض الخندق ، وكانوا في عافية منها . { و } لا شعور لهم بها . وأرسلنا عليهم { جنوداً لم تروها } وهو الملائكة ، وكانوا ألفاً ، فقلعت الأوتاد ، وقطعت الأطناب ، وأطفأت النيران ، وأكفأت القدور . وكان سبب غزوة الأحزاب : أن نفراً من اليهود ، منهم ابن أَبي الحقيق ، وحُيَي بن أخطب ، في نفر من بني النضير ، لَمَّا أجلاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم من بلدهم ، قَدِموا مكة فحرّضوا قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرجوا إلى غطفان ، وأشجع ، وفزارة ، وقبائلَ مِنَ العرب ، يُحرضونهم على ذلك ، على أن يعطوهم نصف تمر خَيْبَرَ كل سنة . فخرجت قريش ، وقائدها أبو سفيان ، وخرجت غطفان ، وقائدها عيينة بن حِصن ، والحارث بن عوف في مُرة ، وسعد بن رخيلة في أشجع ، وعامر بن الطفيل في هوازن . فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بهم ، ضرب الخندق على المدينة ، برأي سلمان . وكان أول مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يؤمئذ حُر . وقال : يا رسول الله : إنا كنّا بفارس ، إذا حُوصرنا : خَنْدَقْناَ علينا ، فحفر الخندق ، وباشر الحفر معهم بيده صلى الله عليه وسلم . فنزلت قريش بمجتمع الأسيال من الجُرُفِ والغابة ، في عشرة آلاف من أحابيشهم . ونزلت عطفان وأهل نجد بذنب نَقَمَي ، إلى جانب أُحد . فخرج النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سَلْع ، في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هناك عسكره ، والخندق بينه وبين القوم ، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام . واشتد الخوف ، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقام المشركون ، بِضعاً وعشرين ليلة ، ولم يكن حرب غير الرمي بالنبل والحصى . فلما اشتد البلاء بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عُيينة بن حصن ، والحارث بن عوف ، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة ، على أن يرجعا بمَن معهما ، وكتبوا الكتاب ولم يقع الإشهاد ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، فقال سعد بن معاذ : أشيء أمرك الله به ، لا بدّ من العمل به ، أم شيء تُحبه فتصنعه ، أم شيء تصنعه لنا ؟ قال : " لا ، بل شيء أصنعه لكم ، أردتُ أن أكْسِر عنكم شوكتهم " فقال سعد : يا رسول الله لقد كنا مع القوم على شرك وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطعمون أن يأكلوا منها تمرة ، إلا قِرىً ، أو شراءً ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام ، وأعزَّنا بك ، نعطيهم أموالنا ! لا نعطيهم إلا السيف . فقال عليه الصلاة والسلام : " فأنت وذاك " ، فمحا سعدُ ما في الكتاب ، وقال : ليجهدوا علينا . ثم إن الله تعالى بعث عليهم ريحاً باردة ، في ليلة شاتية ، فأحصرتهم ، وأحثت الترابَ في وجوههم ، وأمر الملائكة فقلعت الأوتاد ، وقطعت الأطناب ، وأكفأت القدور ، وأطفأت النيران ، وجالت الخيل بعضها في بعض . وأرسل الله تعالى عليهم الرُعب ، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم ، حتى كان سيد كل خباء يقول : يَا بَني فلان ، علمُّوا ، فإذا اجتمعوا إليه قال : النَّجا ، النَّجا ، أوتيتم . فانهزموا من غير قتال . { وكان الله بما تعملون بصيراً } ، أي : بصيراً بعملكم ، من حَفر الخندق ، ومعاونة النبي صلى الله عليه وسلم ، والثبات معه ، فيجازيكم عليه ، وقرأ أبو عمرو : بالغيب ، أي : بما يعمل الكفار من البغي ، والسعي في إطفاء نور الله ، { إِذ جاؤوكم } هو بدل من : إذ جاءتكم ، { من فوقكم } من أعلى الوادي ، من قِبَل المشرق . وهم بنو غطفان . { ومن أسفل منكم } من أسفل الوادي من قِبَل المغرب ، وهو قريش . { وإذْ زاغتِ الأبصارُ } مالت عن مستوى نظرها حَيْرَةً وشخوصاً . أو : مالت إلى عدوها ، لشدة الخوف ، { وبلغت القلوبُ الحناجرَ } رُعباً . والحنجرة : رأس الغَلْصَمَة ، وهي منتهى الحلقوم ، الذي هو مدخل الطعام والشراب . قالوا : إذا انتفخت الرئة ، من شدة الفزع والغضب ، رَبَتْ ، وارتفع بارتفاعها إلى رأس الحنجرة . وقيل : هو مثل في اضطراب القلوب ، وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة . رُوي أن المسلمين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل من شيء نقوله ، فقد بلغت القلوب الحناجر ؟ قال : " نعم ، قولوا : اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا " . { وتظنون بالله الظنُونا } الأنواع من الظن . والمؤمنون أصناف منهم الأقوياء ، ومنهم الضعفاء ، ومنهم المنافقون . فظنّ الأقوياء ، المخلصون ، الثُبْتُ القلوب أن ينجز الله وعده في إعلاء دينه ، ويمتحنهم ، فخافوا الزلل وضعْفَ الاحتمال ، وأما الآخرون فظنُّوا ما حكى عنهم ، وهو الذين زاغت أبصارهم ، وبلغت قلوبهم الحناجر ، دون الأقوياء رضي الله عنهم ، وقرأ أبو عمرو وحمزة : { الظنون } بغير ألف ، وهو القياس . وبالألف فيهما : نافع ، والشامي ، وشعبة إجراء للوصل مجرى الوقف . والمكيّ ، وعليّ ، وحفص : بالألف في الوقف . ومثله : { الرَّسُولاْ } [ الأحزاب : 66 ] و { السَّبِيلاَْ } [ الأحزاب : 67 ] ، زادوها في الفاصلة ، كما زادوها في القافية ، كقوله : @ " أقِلّي اللَّوْمَ ، عَاذِلَ والعِتابا " @@ وهو في الإمام : بالألف . { هنالك ابْتُلي المؤمنون } أي : اختبروا ، فظهر المخلص من المنافق ، والثابت من المزلزل ، { وزُلزلوا زلزالاً شديداً } وحُركوا بالخوف ، تحريكاً شديداً . الإشارة : يا أيها الذين آمنوا إيمان الخصوص اذكروا نعمة الله عليكم بالتأييد والنصر ، فحين تَوَجَّهْتُمْ إليّ ، ودخلتم في طريق ولايتي ، رفضتكم الناس ، ونكرتكم ، ورمتكم عن قوس واحدة ، فجاءتكم جنود الخواطر والوساوس من كل جانب ، حتى هممتم بالرجوع أو الوقوف . وإذ زاغت الأبصار : مالت عن قصدها بالاهتمام بالرجوع ، وبلغت القلوبُ الحناجرَ ، ممن كان ضعيف الإرادة واليقين ، وتظنون بالله الظنونا ، فمنهم مَن يظن الامتكان بعد الامتحان ، فيفرحون بالبلاء ، ومنهم مَن يظن أنه عقوبة … إلى غير ذلك ، هنالك ابتلي المؤمنون المتوجهون ليظهر الصادق ، في الطلب ، من الكاذب فيه ، فعند الامتحان يعز المرء أو يُهان ، ويظهر الخَوّافون من الشجعان ، وزُلزلوا زلزالاً شديداً ليتخلصوا ويتمحصوا ، كما يتخلص الذهب والفضة من الناس ، ومَن عرف ما قصد هان عليه ما ترك . قال القشيري : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم … } يعني : بمقابلتها بالشكر ، وتَذَكُّرِ ما سَلَفَ من الذي دفع عنك ، يهون عليك مقاساة البلاءِ في الحال . وبذكرك لما أولاك في الماضي يقرب من الثقة بوصول ما تؤمِّلهُ في الاستقبال . فمن جملة ما ذكّرهم قوله : { إذ جاءتكم جنود … } الآية : كم بلاء صَرَفَه عن العبد وهو لا يشعر ، وكم شغل كنت بصدده ، فصدّه عنك ولم تعلم ، وكم أمر صرفه ، والعبد يضج ، وهو - سبحانه - يعلم أن في تيسيره هلاكَه ، فيمنعه منه رحمة عليه ، والعبد يتهمه ويضيق به صَدْرُه . هـ . ثم ذكر سبحانه نتيجة الابتلاء فقال : { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ … }