Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 25-27)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وَرَدَّ اللهُ الذين كفروا } أي : الأحزاب { بغَيْظِهم } ملتبسين بغيظهم ، فهو حال كقوله : { تَنبُتُ بِالدُّهنِ } [ المؤمنون : 20 ] أي : ردهم غائظين { لم ينالوا خيراً } ظفراً ، أي : لم يظفروا بالمسلمين . وسمّاه " خيراً " بزعمهم ، وهو أيضاً حال ، أي : غير ظافرين ، { وكفى اللهُ المؤمنين القتال } بالريح ، والملائكة ، { وكان اللهُ قوياً عزيزاً } قادراً غالباً ، فقهرهم بقدرته وغلبهم بقهريته . { وأنزل الذين ظاهروهم } : عاونوا الأحزاب وجاؤوا بهم { من أهلِ الكتاب } ، يعني بني قريظة ، أنزلهم { من صَياصِيهم } من حصونهم . والصيصة : ما يتحصّن به . قال الهروي : وكل ما يتحصّن به فهو صيصة ، ويقال لقرون البقر والظبي : صَيَاصي لأنها تتحصن بها ، وفي وصف أصحاب الدجال : " شواربهم كالصياصي " ، لطولها ، وفتلها ، فصارت كالقرون . هـ . رُوي أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب ، ورجع المسلمون إلى المدينة - على فَرَسه الحيزوم ، والغُبار على وجه الفَرَس والسَّرْج ، فقال : ما هذا جبريلُ ؟ فقال : من مُتَابعةِ قُريش . ثم قال : إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة ، وأنا عائدٌ إليهم ، فإن الله داقهُمْ دَقَّ البيض على الصَّفا ، وهم لكم طُعْمةٌ . وفي رواية : لَمَّا رجع - عليه الصلاة والسلام - ودخل مغتسله ، جاءه جبريل بعمامة من استبرق ، على بغلة ، عليها قطيفة من ديباج ، فقال : قد وضعتَ السِّلاح ، والله ما وضعت الملائكةُ السلاحَ ، وما رجعت إلا من طلب القوم ، وإن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة . فأذّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس : أنَّ من كان سَامِعاً مُطيعاً فلا يُصلَّين العَصْرَ إلا في بني قُريظة . فخرج إليهم ، فحاصرهُم خمساً وعشرين ليلةٌ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تنزلُون على حُكْمي ؟ فأبَوْا ، فقال : تنزلون على حكم سَعد بن مُعاذِ ؟ فرضوا به . فقال سعد : نحكم فيهمْ : أن تُقتل مقاتِلتَهُم ، وتُسبى ذَرارِيهمْ ونساؤُهُم . فكبَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال : " لقد حكم فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة " . ثم استنْزلهم ، وخَنْدَق في سوق المدينة خندقاً ، وقدَّمَهُم ، فضرب أعناقَهُم . وهم من ثمانمائة إلى تسعمائة . وقيل : كانوا ستمائة مقاتل ، وسبعمائة أسير ، فقتل المقاتلة ، وقسم الأسارى ، وهم الذراري والنساء . وكان عليّ والزبير رضي الله عنهما يضربان أعناق بني قريظة . والنبي صلى الله عليه وسلم جالس هناك . والقصة مطولة في كتب السير . { وقذَفَ في قلوبهم الرعبَ } الخوف . وفيه السكون والضم ، { فريقاً تقتلون } وهم الرجال { وتأسرون فريقاً } وهم النساء والذراري . قالت عائشة رضي الله عنها : لم يقتل صلى الله عليه وسلم من نساء بني قريظة امرأة إلا واحدة ، قتلها بخلاد بن سويد ، كانت شدخت رأسه بِحجَر من فوق الحصن . { وأورثكم أرضَهم وديارَهم وأموالهم } كالمواشي والنقود والأمتعة . رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار ، وقال لهم : " إنكم في منازلكم " { و } أورثكم { أرضاً لم تطؤوها } بعدُ ، قيل : خيبر ، ولم يكونوا نالوها ، أو : مكة ، أو : فارس والروم ، أو : كل أرض لم تُفتح إلى يوم القيامة ، فمكّنهم الله من ذلك كله ، وفتح عليهم مشارق الأرض ومغاربها . { وكان الله على كل شيءٍ قديراً } فيقدر على جميع ذلك . الإشارة : هذه عادة الله مع خواصه ، أن يُخوفهم ثم يُؤمنهم ، ويذلهم ثم يعزهم ، ويفقرهم ثم يغنيهم ، ويجعل دائرة السوء على مَن ناوأهم ، ويكفيهم أمرهم من غير محاربة ولا قتال ، { وكفى الله المؤمنين القتال … } الآية . ثم يكون لهم التصرف في الوجود بأسره ، أمرهم بأمر الله ، وحكمهم بحكمه ، والله غالب على أمره . ولَمَّا نصر الله رسولَه ، وفرّق الأحزاب ، وفتح عليه قريظة والنضير ، ظنّ أزواجه أنه اختص بنفائس أموال اليهود وذخائرهم ، فقعدن حوله وقلن : يا رسول الله بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل والإماء والخول ونحن على ما تراه من الفاقه والضيق ، وآلمن قلبه - عليه الصلاة والسلام - لمطالبتهن له بتوسعة الحال ، وأن يعاملهن به بما يعامل به الملوكُ والأكابرُ أزواجَهم . فأنزل الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ … }