Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 28-29)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { يا أيها النبي قلْ لأزواجك } وكن تسعاً خمساً من قريش : عائشة بنت الصدّيق ، وحفصة بنت الفاروق ، وأم حبيبة بنت سفيان ، وسَوْدة بنت زمعة ، وأم سلمة بنت أبي أُمية ، وصفية بنت حيي الخيبرية ، من بني إسرائيل ، من ذرية هارون عليه السلام ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة . أي : فقل لهن { إن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياةَ الدنيا وزينتَها } أي : التوسعة في الدنيا وكثرة الأموال والحُلل ، { فتعالين } أي : أَقبلن بإرادتكن واختياركن . وأصل " تعال " أن يقوله مَن في المكان المرتفع لمَن في المكان الأدنى ، ثم كثر استعماله في كل أمر مطلوب . { أُمتِّعكُنّ } أي : أُعطِكُن متعة الطلاق . وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا المفوّضة قبل الوطء مع أخواتها ، كما في كتب الفقه . { وأسرِّحكُنَّ } أُطلقكن { سَراحاً جميلاً } لا ضرر فيه . وقيل : سبب نزولها : أنهن سألنه زيادة النفقة ، وقيل : آذينه بغيرة بعضهن من بعض ، فاغتمّ عليه الصلاة والسلام لذلك . وقيل : هجرهن شهراً ، فنزلت ، وهي آية التخيير . فبدأ بعائشة رضي الله عنها وكانت أحبهن إليه ، فخيّرها ، وقرأ عليها القرآن ، فاختارت اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة ، فرؤي الفرحُ في وجهه صلى الله عليه وسلم ، ثم اختارت جميعهُنّ اختيارها . وروي أنه قال لعائشة : " إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً ، ولاَ عَلَيكِ ألا تَعْجَلِي فيه حَتَّى تَسْتَأْمرِي أَبَوَيْكِ " ثُمَّ قرأ عليها الآية ، فقالت : أَفي هذا أسْتَأُمِرُ أَبَويّ ؟ فَإِني أُريدُ الله ورسوَلهُ والدَّارَ الآخِرَةَ . وحكم التخيير في الطلاق : أنه إذا قال لها : اختاري ، فقالت : اخترتُ نفسي ، أن تقع تطليقة واحدة بائنة ، وإذا اختارت زوجها لم يقع شيء . قاله النسفي . وقال ابن جزي : وإذا اختارت المرأة الطلاق فمذهب مالك : أنه ثلاث ، وقيل : طلقة بائنة . وقيل : رجعية . ووصف السراح بالجميل يحتمل أن يريد أنه دون الثلاث ، أو : يريد الثلاث ، وجماله : حسن المرعى ، والثناء ، وحفظ العهد . هـ . { وإن كنتنّ تُردنَ اللهَ ورسوله والدارَ الآخرةَ فإِن الله أعدَّ للمحسنات منكنَّ } " من " : للبيان ، { أجراً عظيماً } فاخترن رضي الله عنهن ما هو مناسب لحاله عليه الصلاة والسلام حين خُيّر بَيْن أن يكون نبيّاً عبداً ، أو نبيًّا مَلِكاً ، فاختار أن يكون نبيًّا عبداً ، لا مَلِكاً . فاخترن العبودية ، التي اختارها عليه الصلاة والسلام . الإشارة : ينبغي لمَن قلّده الله نساء متعددة أن يخيِّرهن ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا يخلو من حال الغيرة ، فإذا خَيّرهن فينبغي أن يغيب عن تشغيبهن ، ولم يصغ بأُذُنه إلى حديثهن ، ولا ينبغي أن يغتم من أجل الغيرة ، فإنها طبع لازم للبشر ، وليُقدِّر في نفسه : أنه إذا تزوجت زوجته غيره ، وهي في عصمته ، هل يقْدِر على ذلك أم لا ، فالأمر واحد . والله أعلم . قال القشيري : لم يُرِد أن يكون قلبُ واحد من المؤمنين والمؤمنات منه في شُغل ، أو يعود إلى واحد منهم أذى ، أو تعب من الدنيا ، فَخيَّرَ صلى الله عليه وسلم بأمر ربه نساءَه ، ووفق اللهُ عائشةَ ، حتى أخبرتُ عن صدق قلبها ، وكمال دينها ويقينها ، وما هو المنتظر من أصلها ونيتها . والباقيات جرَيْن على منهاجها ، ونَسَجْنَ على منوالها . هـ . ثم هددهن وبشرهن فقال : { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ … }