Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 30-31)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { يا نساءَ النبيّ من يأتِ منكن بفاحشةٍ } بسيئة بليغة في القُبح { مُبَيِّنَة } ظاهرٌ فحشها ، من : بيّن ، بمعنى : تبيّن . وقرأ المكي وشعبة بفتح الياء ، وهي عصيانهنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، ونشوزهن . قال في المقدمات : كل فاحشة نُعتت في القرآن بالبينة فهي بالنطق ، والتي لم تُنعت بها زنى . هـ . { يُضَاعَفْ لها العذابُ ضِعْفين } أي : ضِعفي عذاب غيرهنّ من النساء لأن الذنب منهن أقبح فإنَّ قُبح الذنب يتبع زيادة فضل المذنب والنعمة عليه ، ولذلك قيل : ليست المعصية في القُرب كالمعصية في البُعد . وليس لأحد من النساء مثل فضل النساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا كان الذم للعاصي العالم أشدّ منه للعاصي الجاهل لأن المعصية من العالِم أقبح ، وفي الحديث : " أشدُّ الناس عذاباً يومَ القيامة عالمٌ لم ينفعه الله بعلمه " لقوة الجرأة في العالم دون غيره . ولهذا أيضاً فضل حدّ الأحرار على العبيد ، ولم يرجح الكافر . { وكان ذلك } أي : تضعيف العذاب عليهن { على الله يسيراً } هيناً . { ومن يَقْنُتْ منكن } أي : يدم على الطاعة { لله ورسوله وتعمل صالحاً نُؤْتِها أجْرَها مرتين } أي : مثل ثوابي غيرها ، مرة على الطاعة ، ومرة على طلبهن رضا النبي صلى الله عليه وسلم ، بالقناعة ، وحسن المعاشرة . وقرأ حمزة والكسائي بالغيب على لفظ " من " ، { وأعتدنا لها رِزقاً كريماً } جليل القدر ، وهو الجنة . الإشارة : من شأن الملِك أن يُعاتب الوزراء بما لا يعاتب غيرهم ، ويهددهم بما لا يهدد به غيرهم ، ويعطيهم من التقريب والكرامة ما لا يُعطي غيرهم ، فإن هفوا وزلُّوا عاتبهم ، ثم يردهم إلى مقامهم ، وربما سمح وأغضى . والغالب : أن الحق تعالى يعجل عتاب خواصه ، في الدنيا قبل الآخرة ، بمصائب وأهوال ، تصفيةً وتطهيراً ، ولا يُبعدهم من حضرته بما اقترفوا . قال القشيري : زيادةُ العقوبة على الجُرْمِ من أمارات الفضيلة ، كحدّ الحر والعبد ، وتقليل ذلك من أمارات النقص ، ولَمَّا كانت منزلتُهن في الشرف تزيد وتربو على منزلة جميع النساء ، تضاعفت عقوبتهن على أجْرامهن ، وتضاعف ثوابَهن على طاعتِهن ، فقال : { ومن يقنت منكن لله … } وقال : { لستن كأحد من النساء … } الآية هـ . والله تعالى أعلم . ثم وصَّاهنَّ بما يليق بجنابهنَّ المعظم فقال : { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ … }