Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 6-6)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { النبيُّ أولى بالمؤمنين } أي : أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا ، وحكمه أنفذ عليهم { من أنفسهم } ، فإنه لا يأمرهم ، ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم ، فيجب عليهم أن يبذلوها دونه . ويجعلوها فداء منه . وقال ابن عباس وعطاء : يعني : " إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء ، ودعتهم أنفسهم إلى شيء ، كانت طاعةُ النبي صلى الله عليه وسلم أولى . أو : هو أولى بهم ، أي : أرأف ، وأعطف عليهم ، وأنفع لهم ، كقوله : { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام : " ما من مؤمن إلا وأنَا أوْلَى الناس به في الدنيا والاخرة ، اقرؤوا إن شئتم : { النبيُّ أوْلَى بالمؤمنين من أنْفُسِهِمْ } فأيُّمَا مُؤْمِن هَلَكَ ، وتركَ مالاً فلورَثَته ما كانوا ، ومَن تَرَكَ دَيْناً أو ضَيَاعاً فليَأتني ، فإني أنا مَوْلاه " . وفي قراءة ابن مسعود " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم " . وقال مجاهد : كل نبي أبو أمته ، ولذلك صار المؤمنون إخوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبوهم في الدين ، وأزواجه أمهاتهم ، في تحريم نكاحهن ووجوب تعظيمهن ، وهن فيما وراء ذلك - كالإرث وغيره - كالأجنبيات ، ولهذا لم يتعدَّ التحريم إلى بناتهن . { وأولوا الأرحام } أي : ذوو القرابات { بعضهم أوْلى ببعض } في المواريث . وكان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين وبالهجرةِ ، لا بالقرابة ، ثم نسخ ، وجعل التوارث بالقرابة . ذلك { في كتاب الله } أي : في حُكْم الله وقضائه ، أو : في اللوح المحفوظ ، أو : فيما فرض الله ، فهم أولى بالميراث ، { من المؤمنين } بحق الولاية في الدين ، { و } من { المهاجرين } بحق الهجرة . وهذا هو الناسخ . قال قتادة : كان المسلمون يتوارثون بالهجرة ، ولا يرث الأعرابي المسلم من المهاجر شيئاً . فنزلت . وقال الكلبي : آخى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين الناس ، فكان يؤاخي بين الرجلين ، فإذا مات أحدهما ورثه الآخر ، دون عصبته ، حتى نزلت : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } في حكمه ، { من المؤمنين والمهاجرين } ، ويجوز أن يكون { من المؤمنين } : بياناً لأولي الأرحام ، أي : وأولو الأرحام ، من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضاً من الأجانب ، { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً } أي : لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفاً ، وهو أن تُوصوا لمَن أحببتم من هؤلاء بشيء ، فيكون له ذلك بالوصية ، لا بالميراث فالاستثناء منقطع . وعَدّى " تفعلوا " بإلى ، لأنه في معنى تُسْنِدُوا ، والمراد بالأولياء : المؤمنون ، والمهاجرون : المتقدمون الذين نسخ ميراثهم . { كان ذلك } أي : التوارث بالأرحام { في الكتاب مسطوراً } أي : اللوح المحفوظ ، أو : القرآن . وقيل : في التوراة . الإشارة : متابعته عليه الصلاة والسلام ، والاقتباس من أنواره ، والاهتداء بهديه ، وإيثار محبته ، وأمره على غيره لا ينقطع عن المريد أبداً ، بدايةً ونهايةً إذ هو الواسطة العظمى ، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأرواحهم وأسرارهم . فكل مدد واصل إلى العبد فهو منه صلى الله عليه وسلم ، وعلى يده ، وكل ما تأمر به الأشياخ من فعل وترك في تربية المريدين ، فهو جزء من الذي جاء به . وهم في ذلك بحسب النيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم خلفاء عنه . وكل كرامة تظهر فهي معجزة له صلى الله عليه وسلم ، وكل كشف ومشاهدة فمن نوره صلى الله عليه وسلم ، قال ابن العربي الحاتمي رضي الله عنه : اعلم أن كل وَليّ لله تعالى إنما يأخذ ما يأخذ بِوَاسِطَةِ رُوحَانِيَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم ، فمنهم مَن يعرف ذلك ، ومنهم مَن لا يعرفه ، ويقول : قال لي الله ، وليس إلا تلك الروحانية . هـ . وهو موافق لما أشار إليه الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه ، حيث قال : الوليّ إنما يكاشف بالمثال ، كما يرى مثلاً البدر في الماء بواسطته ، وكذلك الحقائق الغيبية ، والأمور الإشهادية مجلوة وظاهرة في بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وله عياناً لا مثالاً . والوليّ لقربه منه ومناسبته له لهديه بهديه ، ومتابعته له يُكاشف بمثال ذلك فيه ، فظهر الفرق وثبتت مزية النبي صلى الله عليه وسلم ، وانتفى اللبس بين النبوة والولاية . قاله شيخ شيوخنا سيدي " عبد الرحمن العارف " . قال القشيري : { النبي أَوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم } الإشارة : تقديم سُنّته على هواك ، والوقوف عند إشارته دون ما يتعلقُ به مُناك ، وإيثار مَن تتوسل به نسباً وسبباً على أعِزَّتكَ ومَن والاك ، { وأولوا الأرحام … } الآية : ليكنْ الأجانبُ منك على جانب ، ولتكن صلتك للأقارب وصلةُ الرحم ليس لمقاربة الدار وتعاقب المزار ، وليكن بموافقة القلوب ، والمساعدة في حالتي المكروه والمحبوب . @ أرْوَاحُنا في مكانٍ واحد ، وإن كانت أشْبَاحُناَ بِشَامٍ أوْ خُرَاسَانِ . هـ @@ ولما كان كل نبي أباً لأمته أخذ عليهم العهد في إرشادهم ونصحهم كما ينصح الأب إبنه ، فقال : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ … } .