Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 56-56)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { إِن اللهَ وملائكتَهُ يُصلُّون على النبي } يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه . وقال صاحب المُغني : الصواب عندي : أن الصلاة لغة بمعنى واحد ، وهو العطف ، ثم العطف بالنسبة إلى الله تعالى : الرحمة ، وإلى الملائكة : الاستغفار ، وإلى الآدميين : دعاء . واختاره السُّهيلي قبله . والمراد بالرحمة منه تعالى غايتها ، وهو إفاضة الخير والإحسان ، لا رقة القلب ، الذي هو معنى الرحمة حقيقة . { يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه } أي : قولوا : اللهم صلِّ على محمد أو : صلى الله على محمد . { وسلّموا تسليماً } أي : قولوا : اللهم سلّم على محمد ، أو : صلّ وسلِّم على محمد ، أو : انقادوا لأمره وحكمه ، انقياداً كليًّا . وعن كعب بن عُجْرَة : قلنا : يا رسول الله ، أما السلام عليك ، فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟ قال : " قولوا اللهم صلِّ على مُحمدٍ وعلى آل محمد ، كما صلّيت على إبراهيم ، إنك حميدٌ مجيدٌ ، اللهمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ ، كما بَارَكْت على إبراهيمَ ، إنك حميد مجيد " ومعرفتهم السلام من التشهُّد . والصلاة على غير الأنبياء بالتبع جائزة . وأما بالاستقلال فمكروه ، وهو من شعار الروافض . هـ . قال الكواشي : رُوي أنه قيل يا رسول الله : أرأيت قول الله تعالى : { إن الله وملائكته يُصلُّون على النبي … } الآية ؟ فقال : هذا من العلم المكنون ، ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم ، إن الله وكَل بي ملكين ، فلا أُذكر عند عبدٍ مسلم ، فيُصلي عليّ ، إلا قال ذانك الملكان : غفر الله لك ، وقال الله وملائكته جواباً لذينك الملّكين : آمين . ولا أُذكر عند عبد مسلم ، فلا يُصلي عليّ إلا قال ذانك الملكان : لا غفر الله لك . وقال الله جواباً لذينك الملكين : آمين . هـ . والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة . فمنهم مَن أوجبها عند ذكره كلما ذكر ، وعليه الجمهور ، وهو الاحتياط للحديث المتقدم . ولقوله صلى الله عليه وسلم : " مَن ذُكرتُ عنده فلم يُصلِّ عليّ دَخَلَ النار " ومنهم مَن أوجبها في كل مجلس مرة ، وإن تكرر ذكره ، كتشميت العاطس وآية السجدة ، ومنهم مَن أوجبها مرة في العمر . قالوا : وكذلك الخلاف في إظهار الشهادتين ، وأما ذكرها في الصلاة فليست شرطاً عند أبي حنيفة ومالك ، خلافاً للشافعي ، والاحتياط : الإكثار منها بغير حصر ، ولا يغفل عنها إلا مَن لا خير فيه . واختلف هل كانت الأمم الماضية متعبدة بالصلاة على أنبيائهم . قال القسطلاني : إنه لم ينقل إلينا ذلك ، ولا يلزم من عدم النقل عدم الوقوع . هـ . الإشارة : اعلم أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سُلم ومعراج الوصول إلى الله لأن تكثير الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تُوجب محبته ، ومحبتُه عليه الصلاة والسلام توجب محبة الله تعالى ، ومحبته تعالى للعبد تجذبه إلى حضرته ، بواسطة وبغيرها . وأيضاً : الرسول صلى الله عليه وسلم وزير مقرب ، ومَن رام دخول حضرة الملوك يخدم الوزير ، ويتقرّب إليه ، حتى يُدخله على الملِك . فهو صلى الله عليه وسلم حجاب الله الأعظم ، وبابه الأكرم ، فمَن رام الدخول من غير بابه طُرد وأُبعد ، وفي ذلك يقول ابن وفا : @ وأنت بابُ الله ، أيّ امرىء وفاه من غيرك لا يدخلِ @@ وقال الشيخ الجزولي رضي الله عنه في دلائل الخيرات : وهي من أهم المهمات لمَن يريد القرب من رب الأرباب . وقال شارحه : ووجه أهميتها من وجوه ، منها : ما فيها من التوسُّل إلى الله سبحانه بحبيبه ومصطفاه . وقد قال تعالى : { وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةِ } [ المائدة : 35 ] ، ولا وسيلة إليه أقرب ، ولا أعظم ، من رسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم . ومنها : أن الله تعالى أمر بها ، وحضَّنا عليها ، تشريفاً له وتكريماً ، وتفضيلاً لجلاله ، ووعد مَن استعملها حُسن المآب ، وجزيل الثواب ، فهي من أنجح الأعمال ، وأرجح الأقوال ، وأزكى الأحوال ، وأحظى القربات ، وأعم البركات ، وبها يتوصل إلى رضا الرحمن ، وتنال السعادة والرضوان ، وتجاب الدعوات ، ويرتقي إلى أرفع الدرجات . وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : يا موسى أتُريد أن أكون أقرب إليك من كلامك إلى لسانك ، ومن وسواس قلبك إلى قلبك ، ومن روحك إلى بدنك ، ومن نور بصرك إلى عينيك ؟ قال : نعم يا رب ، قال : فأكثر من الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم . ومنها : أنه صلى الله عليه وسلم محبوب لله عزّ وجل ، عظيم القدر عنده ، وقد صلّى عليه وهو وملائكتُه ، فوجبت محبة المحبوب ، والتقرُّب إلى الله تعالى بمحبته ، وتعظيمه ، والاشتغال بحقه ، والصلاة عليه ، والاقتداء بصلاته ، وصلاة ملائكته ، وصلاة ملائكته عليه . قلت : وهذا التشريف أتم وأعظم من تشريف آدم عليه السلام ، بأمر الملائكة بالسجود له لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف . فتشريف يصدر عنه مع ملائكته أبلغ من تشريف تختص به الملائكة . ومنها : ما ورد في فضلها ، ووعَدَ عليها من جزيل الأجر وعظيم القدر ، وفوز مستعملها برضا الله ، وقضاء حوائج آخرته ودنياه . ومنها : ما فيها مِن شُكر الواسطة في نعم الله علينا المأمور ، بشكره ، وما من نعمة لله علينا ، سابقة ولا لا حقة من نعمة الإيجاد والإمداد ، في الدنيا والآخرة ، إلا وهو السبب في وصولها إلينا ، وإجرائها علينا ، فوجب حقه علينا ، ووجب علينا في شكر نعمته ألا نفتر عن الصلاة عليه ، مع دخول كل نفس وخروجه . ومنها : ما فيها من القيام برسم العبودية ، بالرجوع لِما يقتضي الأصلُ نفيه ، فهو أبلغ في الامتثال ، ومن أجل ذلك كانت فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على كل عمل . والذي يقتضي الأصل نفيه ، هو كون العبد يتقرب إلى الله بالاشتغال بحق غيره لأن قولنا : " اللهم صَلِّ على محمد " هو الاشتغال بحق محمد صلى الله عليه وسلم ، وأصل التعبدات : ألا يتقرب إلى الله تعالى إلا بالاشتغال بحقه . ولكن لمّا كان الاشتغال بالصلاة على محمد بإذن من الله تعالى ، كان الاشتغال بها أبلغ في امتثال الأمر ، فهي بمثابة أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم ، فكان شرفهم في امتثال أمر الله ، وإهانة إبليس في مخالفة أمره سبحانه . ومنها : ما جُرب من تأثيرها ، والنفع بها في التنوير ورفع الهمة ، حتى قيل : إنها تكفي عن الشيخ في الطريق ، وتقوم مقامه ، حسبما نقله الشيخ السنوسي ، والشيخ زروق ، وغيرهما . ومنها : ما فيها من سير الاعتدال ، الجامع لكمال العبد وتكميله ، ففي الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الله ورسوله ، ولا كذلك عكسه ، فلذلك كانت المثابرة على الأذكار والدوام عليها يحصل به الانحراف ، وتُكسب نورانية تحرق الأوصاف ، وتثير وهجاً وحرارة في الطباع ، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تُذهب وهَج الطِّباع ، وتقوي النفوس لأنها كالماء البارد ، فكانت تقوم مقام شيخ التربية . انتهى كلامه . قلت : والحق الذي لا غُبار عليه : إن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، والإكثار منها ، تدلّ صاحبها على مَن يأخذ بيده ، وتُوصله إلى شيخ التربية ، الذي هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن كان صادق الطلب ، وأما كونها تقوم مقام الشيخ في دخول مقام الفناء والبقاء ، حتى تعتدل حقيقته وشريعته فلا إذ لا تنقطع رعونات النفوس إلا بآمر وناهٍ من غيره ، يكون عالماً بدسائس النفوس وخِدعها ، وغاية ما توصل إليه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يظفر بالشيخ الفناء في الصفات ، وينال مقام الصلاح الأكبر ، ويظهر له كرامات وخوارق ، ويكون من أرباب الأحوال ، وإن وصل إلى مقام الفناء تكون شريعته أكبر من حقيقته . هذا ما ذقناه ، وشهدناه ، وسمعناه من أشياخنا ، والطريق التي أدركناهم يستعملونها ، وأخذناها منهم ، أنهم يأمرون المريد إن رأوه أهلاً للتربية أن يلتزم الاسم المفرد ، ويفنى فيه ، حتى تنهدم به عوالمه ، فإذا تحقق فناؤه وغاب عن نفسه ورسمه ، ردُّوه إلى مقام البقاء ، وحينئذ يأمرونه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتكون صلاته عليه كاملة ، يُصلي على روحه وسره بلا حجاب ، ويشاهده في كل ساعة كما يشاهدونه . وبالله التوفيق . ثم ذكر أهل الغفلة والبعد فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … }