Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 69-71)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذَوْا موسى } من بني إسرائيل { فبرأه اللهُ مما قالوا } وذلك أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عرايا ، ينظر بعضهم إلى بعض ، وكان موسى عليه السلام يستتر لشدة حيائه ، فقالوا : ما يمنع موسى من الاغتسال معنا إلا أنه آدر والأدْرَة : انتفاخ الأنثيين أو : به عيب من برص أو غيره ، فذهب يغتسل وحده ، فوضع ثوبه على حجر ، ففرّ الحجر بثوبه ، فلجّ في أثره يقول : ثَوْبي حَجَر ، ثوبي حجر ! حتى نظروا إلى سوأته ، فقالوا : والله ما بموسى من بأس ، فقام الحجر من بعد ما نظروا إليه ، وأخذ ثوبه ، فطفق بالحجر ضرباً ، ثلاثاً أو أربعاً . وقيل : كان أذاهم : ادعاءهم عليه قتل أخيه . قال عليّ رضي الله عنه : صعد موسى وهارون الجبل ، فمات هارون ، فقالت بنو إسرائيل : أنت قتلته . وكان أشدَّ لنا حبًّا ، وألين منك ، فآذوه بذلك ، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته ، حتى مرت به على بني إسرائيل ، وتكلمت الملائكة بمماته ، حتى تحققت بنو إسرائيل أنه قد مات ، فبرّأ الله موسى من ذلك ، ثم دفنوه . فلم يطلع على قبره إلا الرَّخَم من الطير ، وإن الله جعله أصم أبكم ، وقيل : إنه على سرير في كهف الجبل . وقيل : إن قارون استأجر امرأة مومسة ، لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ ، فعصمها الله ، وبرأ موسى ، وأهلك قارون . وقد تقدّم . { وكان عند الله وجيهاً } ذا جاه ومنزلة رفيعة ، مستجاب الدعوة . وقرأ ابن مسعود والأعمش " وكان عبداً لله وجيهاً " . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } في ارتكاب ما يكرهه ، فضلاً عما يؤذي رسوله ، { وقولوا قولاً سديداً } صدقاً وصواباً ، أو : قاصداً إلى الحق . والسدادُ : القصدُ إلى الحق والقول بالعدل . والمراد : نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل في القول . والحثُّ على أن يُسددوا قولهم في كل باب لأن حفظ اللسان ، وسداد القول رأس كل خير ، ولذلك قال : { يُصلحْ لكم أعمالَكم } أي : يوفقكم لصالح الأعمال ، أو : يقبل طاعتكم ، ويثيبكم عليها ، { ويغفرْ لكم ذنوبَكم } أي : يمحها . والمعنى : راقبوا الله في حفظ ألسنتكم ، وتسديد قولكم ، فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم ما هو غايةُ الطُلبة من تقبل حسنَاتكم ، ومن مغفرة سيئاتكم . وهذه الآية مقررة للتي قبلها ، فدلت تلك على النهي عما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه على الأمر باتقاء الله في حفظ اللسان ، ليترادف عليها النهي والأمر ، مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام ، واتباع الأمر الوعد البليغ بتقوى الله الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه . ثم وعدهم بالفوز العظيم بقوله : { ومن يُطع اللهَ ورسولَه } في الأوامر والنواهي { فقد فاز فوزاً عظيماً } يعيش في الدنيا حميداً ، وفي الآخرة سعيداً . جعلنا الله منهم ، آمين . الإشارة : في الآية تسلية لمَن أوذي من الأولياء بالتأسي بالأنبياء . رُوي أن موسى عليه السلام قال : يا رب احبس عليّ ألسنة الناس ، فقال له : هذا شيء لم أصنعه لنفسي ، فكيف أفعله بك . وأوحى تبارك وتعالى إلى عزير : إن لم تطِبْ نفساً بأن أجعلك علكاً في أفواه الماضغين ، لم أثبتك عندي من المتواضعين . هـ . واعلم أن تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم هو سبب السعادة والفوز الكبير ، وتعظيم أولياء الله وخدمتهم هو سبب الوصول إلى الله العلي الكبير ، وتقوى الله أساس الطريق ، وحفظ اللسان وتحرِّي القول السديد هو سبب الوصول إلى عين التحقيق . قال الشيخ زروق رضي الله عنه في بعض وصاياه بعد كلام ـ : ولكن قد تصعب التقوى على النفس لاتساع أمرها ، فتوجّهْ لترك العظائم والقواعد المقدور عليها ، تُعَنْ على ما بعدها ، وأعظم ذلك معصية : الغيبة قولاً وسماعاً ، فإنها خفيفة على النفوس لإِلْفها ، مستسهلة لاعتيادها ، مع أنها صاعقة الدين ، وآفة المذنبين ، مَن اتقاها أفلح في بقية أمره ، ومَن وقع فيها خسر فيما وراءها . قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم … } الآية ، فجعل صلاحَ العمل متوقفاً على سداد القول ، وكذلك ورد : أن الجوارح تُصبح تشتكي اللسان ، وتقول : اتق الله فينا ، فإنك إن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا . فلا تهمل يا أخي لسانك ، وخصوصاً في هذه الخصلة ، فتورع فيها أكثر ما تورعُ في مأكلك ومشربك ، فإذا فعلت طابت حياتك ، وكفيت الشواغب ، ظاهراً وباطناً . هـ . فإذا تحققت بالتقوى ، وحصّنت لسانك بالقول السديد ، كنت أهلاً لحمل الأمانة ، كما قال تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ … }