Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 7-8)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { و } اذكر { إذ أخذنا } حين أخذنا { من النبيين ميثاقهم } بتبليغ الرسالة ، والدعاء إلى الدين القيم ، وإرشاد العباد ونصحهم . وقيل : أخذه عليهم في عالم الذر . قال أُبيّ بن كعب : لما أخرج الله الذرية ، كانت الأنبياء فيهم مثل السُرُج ، عليهم النور ، فخُصُّوا بميثاقٍ وأخذ الرسالة والنبوة ، وقال القشيري : أخذ الميثاق الأوَل وقت استخراج الذرية من صُلب آدم ، عندَ بعثة كل رسول ، ونُبُوَّة كل نبيٍّ ، أخذ ميثاقه ، وذلك على لسان جبريل عليه السلام ، ومنَ اختصه بإسماعه كَلاَمَهُ بلا واسطة ملك كنبينا ليلة المعراج ، وموسى - عليهما السلام - فأخذ الميثاق منهم بلا واسطة ، وكان لنبينا - عليه الصلاة والسلام - زيادة حال بأن كان مع سماع الخطاب كشف الرؤية . ثم أخذ المواثيق من العباد بقلوبهم وأسرارهم . هـ . قال في الحاشية : والذي يظهر : أن أخذ الميثاق منهم مباشرة لا بوحي ، وذلك في الغيب ، ولذلك قدّم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه النور الأول قبل آدم ، ثم انتقل إلى ظهره ، وحينئذ ، فأخذ الميثاق هنا غيبي ، ولذلك قدّمه . وفي قوله : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ … } [ الشورى : 13 ] في عالم الظهور ، فلذلك قدّم نوحاً ، وثنَّى بنبينا لأن نوحاً أول أُولي العزم ، ونبينا خاتمهم . والله أعلم . هـ . والحاصل : أن أخذ الميثاق كان مرتين في عالم الغيب وفي عالم الشهادة . وهل المراد به هنا الأول أو الثاني ؟ قولان . { ومنك ومن نوحٍ وإبراهيمَ وموسى وعيسى ابنِ مريم } ، قال النسفي : وقدَّم رسول الله صلى اله عليه وسلم على نوح ومَن بعده لأن هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء لأنهم أولو العزم ، وأصحاب الشرائع ، فلمَّا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل هؤلاء قُدّم عليهم ، ولولا ذلك لقدّم مَن قدمه زمانه . هـ { وأخذنا منهم ميثاقا غليظاً } وثيقاً . وأعاد ذكر الميثاق لانضمام الوصف إليه . وإنما فعلنا ذلك { ليَسْألَ } اللهُ { الصادقين } أي : الأنبياء : { عن صِدْقِهم } عما قالوه لقومهم ، وهل بلغوا ما كلفهم به . وفيه تبكيت للكفار ، كقوله : { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } [ الأعراف : 6 ] ، أو : ليسأل المصدّقين للأنبياء عن تصديقهم : هل كان بإخلاص أم لا ؟ لأن مَن قال للصادق : صدقت كان صادقاً في قوله . أو : ليسأل الأنبياء : ما الذي أجابتهم أممهم ؟ وهو كقوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ } [ المائدة : 109 ] ، { وأعَدَّ للكافرين } بالرسل { عذاباً أليماً } ، وهو عطف على " أخذنا " ، لأن المعنى : أن الله تعالى أخذ على الأنبياء العهد بالدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين ، وأعَدَّ للكافرين عذاباً أليماً . أو : على ما دلّ عليه : { ليسأل الصادقين } ، كأنه قال : فأثاب المؤمنين ، وأعدَّ للكافرين عذاباً أليماً . الإشارة : كما أخذ الله الميثاق على الأنبياء والرسل أخذ الميثاق على العلماء والأولياء . أمّا العلماء فعلى تبيين الشرائع وتغيير المناكر ، وألا تأخذهم في الله لومة لأئم ، وأما أخذه على الأولياء فعلى تذكير العباد وإرشادهم إلى معرفة الله ، وتربية مَن تعلّق بهم ، وسياسة الخلق ، ودلالتهم على الحق ، فمَن قصَّر من الفريقين استحق العتاب . قال القشيري : فلكلِّ من الأولياء والأكابر حال ، على ما يؤهلهم له قال صلى الله عليه وسلم : " لقد كان في الأمم مُحَدِّثون ، وإن يكُن في أمتي فَعُمر " ، وغير عُمَر مشارك لعُمر في خواص كثيرة ، وذلك سر بينهم وبين ربِّهم . ثم قال : قوله تعالى : { ليَسْأل الصادقين عن صدقهم } سؤال تشريف لا تعنيف ، وإيجاب لا عتاب ، والصدقُ : ألا يكون في أحوالك شَوْبٌ ، ولا في اعتقادك ريب ، ولا في عملك عَيْبٌ ، ويقال : من أمارات الصدق في المعاملة . وجودُ الإخلاص من غير ملاحظة ، وفي الأحوال : تصفيتُها [ من غير مداخلة الحجاب ] ، وفي القول : سلامته من المعاريض ، فيما بينك وبين نفسك . وفيما بينك وبين الناس : تباعدٌ في التلبيس والتدليس ، وفيما بينك وبين الله : إدامة التبرَّي من الحَوْل والقوة ، ومواصلة الاستقامة ، وحفظ العهود معه على الدوام . في التوكل : عدَم الانزعاج عند الفَقْدِ ، وزوالِ البِشْر بالوجد ، وفي الأمر بالمعروف : التحرُّز من تخلل المداهنة ، قليلها وكثيرها ، وألاَّ يترك ذلك لِفَزَعٍ ولا طَمَع ، ولكن تَشْرَبُ مما تَسْقي ، وتتصف بما تأمر ، وتنتهي عما تَزْجُر . ويقال : الصدق : أن يهتدي إليك كل أحد ، ويكون عليك ، فيما تقول وتضمر ، اعتماد . ويقال : الصدق : ألا تجنحَ إلى التأويلات . انتهى كلام القشيري . ثم شرع في غزة الأحزاب التي هي المقصودة من السوّرة ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … }