Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 24-27)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { قلْ } لهم : { من يرزقكم من السماوات والأرض } أي : بأسباب سماوية وأرضية ؟ { قل اللهُ } وحده . أمره أن يقرّرهم ، ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم ، أي : يرزقكم الله لا غيره ، وذلك للإشعار بأنهم مقرُّون به بقلوبهم ، إلا أنهم ربما أبَوا أن يتكلموا به ، لأنهم إن تفوّهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم : فما لكم لا تعبدون مَن يرزقكم ، وتؤثرون عليه مَن لا يقدر على شيء ؟ ثم أمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإحجاج : { وإِنا وإِياكم لعلى هُدىً أو في ضلالٍ مبين } أي : ما نحن وأنتم على حالة واحدة ، بلى على حالين متضادين ، واحدنا مهتد ، وهو مَن اتضحت حجته ، والآخر ضال ، وهو مَن قامت عليه الحجة . ومعناه : أن أحد الفريقين من الموحدين ومن المشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال . وهذا من كلام المنصف ، الذي كل مَن سمعه ، من مُوالٍ ومعاند ، قال لمَن خوطب به : قد أنصفك صاحبك . وفي ذكره بعد تقديم ما قدّم من التقرير : دلالة واضحة على مَن هو من الفريقين على الهدى ، ومَن هو في الضلال المبين ، ولكن التعريض أوصل بالمجادل إلى الغرض ، ونحوه قولك لمَن تحقق كذبه : إن أحدنا لكاذب ، ويحتمل أن يكون من تجاهل العارف . قال الكواشي : وهذا من المعاريض ، وقد ثبت أن مَن اتبع محمداً على الهدى ، ومَن لم يتبعه على الضلال . هـ ويحتمل أن يكون من اللف والنشر المرتّب . وفيه ضعف . وخولف بين حرفي الجار ، الداخلين على الهدى والضلال لأن صاحب الهدى كأنه مستعلٍ على فرس جواد ، يركضُه حيث شاء ، والضال كأنه منغمس في ظلام ، لا يدري أين يتوجّه . { قل لا تُسألون عمّا أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون } أي : ليس القصد بدعائي إياكم خوفاً من ضرر كفركم ، وإنما القصد بما أدعوكم إليه الخير لكم ، فلا يُسأل أحد عن عمل الآخر ، وإنما يُسأل كل واحد عن عمله . وهذا أيضاً أدخل في الإنصاف ، حيث أسند الإجرام إلى أنفسهم ، وهو محظورٌ ، والعمل إلى المخَاطبين ، وهو مأمورٌ به مشكورٌ . { قل يجمع بيننا ربنا } يوم القيامة ، { ثم يَفتحُ } أي : يحكم { بيننا بالحق } بلا جور ولا ميل ، فيدخل المحقّين الجنة ، والمبطلين النار ، { وهو الفتاحُ } الحاكم { العليمُ } بما ينبغي أن يحكم به . { قل أَرونيَ الذي ألحقتم } أي : ألحقتموهم { به شركاءَ } في العبادة معه ، بأي صفة ألحقتموهم به شركاء في استحقاق العبادة ، وهم أعجز شيء . قال القشيري : كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك لانهماكهم في ضلالهم ، مع تحققهم بأنها جمادات لا تفقه ولا تعقل ، ولا تسمع ولا تبصر ، ولا شبهة لهم غير تقليد أسلافهم . هـ . والمعنى قوله : { أَروني } مع كونه يراهم : أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله ، وأن يطلعهم على حالة الإشراك به ، ولذلك زجرهم بقوله : { كلا } أي : ارتدعوا عن هذه المقالة الشنعاء ، وتنبّهوا عن ضلالكم . { بل هو الله العزيزُ } أي : الغالب القاهر ، فلا يشاركه أحد ، " وهو " : ضمير الشأن ، { الحكيمُ } في تدبيره وصنعه . والمعنى : بل الوحدانية لله وحده لأن الكلام إنما وقع في الشركة ، ولا نزاع في إثبات الله ووجوده ، وإنما النزاع في وحدانيته . أي : بل هو الله وحده العزيز الحكيم . الإشارة : أرزاق الأرواح والأشباح بيد الله ، فأهل القلوب من أهل التجريد اشتغلوا بطلب أرزاق الأرواح ، وغابوا عن طلب أرزاق الأشباح ، مع كونهم مفتقرين إليه ، أي : غابوا عن أسبابه . وأهل الظاهر اشتغلوا بطلب أرزاق الأشباح ، وغابوا عن التوجُّه إلى أرزاق الأرواح ، مع كونهم أحوج الناس إليه . وكل فريق يرجح ما هو فيه ، فأهل الأسباب يعترضون على أهل التجريد ، ويرجحون تعاطي الأسباب ، وأهل التجريد يرجحون مقام التجريد ، فيقولون لهم : وإنا أو إياكم لعلى هُدىً أو في ضلال مبين . قل : لا تُسألون عما أجرمنا ، بزعمكم ، من ترك الأسباب ، ولا نُسأل عما تعملون . وسيجمع الله بيننا ، ويحكم بما هو الحق ، فإن كنتم تعتمدون على الأسباب ، وتركنون إليها ، فهو شرك ، أروني الذين ألحقتم به شركاء ، كلا ، بل هو الله العزيز الحكيم ، يُعز أولياءه ، المتوجهين إليه ، الحكيم في إسقاط مَن أعرض عنه إلى غيره . قال القشيري : { قل يجمع بيننا ربنا } أخبر سبحانه أنه يجمع بين عباده ، ثم يعاملهم في حال اجتماعهم ، بغير ما يعاملهم في حال افتراقهم ، وللاجتماع أثرٌ كبيرٌ في الشريعة ، وللصلاة في الجماعة أثر مخصوص . ثم قال : وللشيوخ في الاجتماع زوائد ، ويستروحون إلى هذه الآية : { قل يجمع بينا ربنا ثم يفتح … } . هـ . ولمَّا ذكر ما منّ به على داود وسليمان ، وذكر وبال مَن لم يشكر النعم ، ذكر ما منّ به على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من عموم الرسالة والدعوة ، فقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً … }