Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 28-30)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " كافة " : حال من " الناس " ، على قول الفارسي وابن جني وابن كيسان ، واختاره ابن مالك . وقال الأكثر : إنه حال من الكاف ، والتاء للمبالغة ، وما قاله ابن مالك أحسن . انظر الأزهري . يقول الحق جلّ جلاله : { وما أرسلناك إلا كافةً للناس } أي : جميعاً ، إنسهم وجِنّهم ، عَربيهم وعجميهم ، أحمرهم وأسودهم . وقدّم الحال للاهتمام . قال صلى الله عليه وسلم : " أُعطيتُ خمساً لم يُعطهنّ أحدٌ قبلي : بُعثتُ إلى الأحمر والأسود ، وجُعلتْ لي الأرضُ مسجداً وطهوراً ، وأُحلّت لي الغنائمُ ، ولم تُحل لأحدٍ قبلي ، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ مسيرة شهر ، وأُعطيتُ الشفاعة ، فادخرتها لأمتي يوم القيامة ، وهي إن شاء الله نائلة مَن لا يشرك بالله شيئاً " . أو : وما أرسلناك إلا رسالة عامة لهم ، محيطة بهم لأنها إذا عمتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد . وقال الزجاج : معنى الكافة في اللغة : الإحاطة ، والمعنى : أرسلناك جامعاً للناس في الإنذار والإبلاغ ، على أنه حال من الكاف ، والتاء للمبالغة ، كالراوية والعلاّمة . حال كونك { بشيراً } بالفضل العظيم لمن أقر ، { ونذيراً } بالعذاب لمن أصرّ ، { ولكنَّ أكثرَ الناس } أي : الكفرة ، { لا يعلمون } ذلك ، فيحملهم جهلهم على مخالفتك . { ويقولون } من فرط جهلهم : { متى هذا الوعدُ } أي : القيامة ، المشار إليها بقوله : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا } [ سبأ : 26 ] أو : الوعد بالعذاب الذي أنذرتَ به . وأطلق الوعد على الموعود به لأنه من متعلقاته ، { إِن كنتم صادقين } في إتيانه ؟ { قل لكم ميعادُ يوم } " الميعاد " : ظرف الوعد ، من مكان ، أو زمان . وهو هنا الزمان ، بدليل مَن قرأ " ميعادٌ يومٌ " فأبدل منه " اليوم " . وأما الإضافة فإضافة تبيين ، كما تقول : بعير سائبة ، أي : قد وقت لعذابكم يوماً { لا تستأخرون عنه ساعةً ولا تستقدمون } أي : لا يمكنكم التأخُّر عنه بالإمهال ، ولا التقدُّم عليه بالاستعجال . ووجه انطباق هذا الجواب على سؤالهم : أنهم سألوا عن ذلك ، وهم منكرون به ، تعنُّتاً لا استرشاداً ، فجاء الجوابُ على طريق التهديد مطابقاً للسؤال ، على وجه الإنكار والتعنُّت ، وأنهم مُرْصَدون له ، يفاجئهم ، فلا يستطيعون تأخُّراً ، ولا تقدُّماً عليه . الإشارة : الداعون إلى الله على فرقتين : فرقة تدعو إلى معرفة أحكام الله ، وهم العلماء ، وفرقة تدعو إلى معرفة ذات الله بالعيان ، وهم الأولياء العارفون بالله ، فالأولون دعوتُهم خاصة بمَن في مذهبهم ، والآخرون دعوتهم عامة إذ معرفة الله تعالى الذوقية لم يقع فيها اختلاف مذاهب ، فأهل المشرق والمغرب كلهم متفقون عليها ، فشيخ واحد يربي جميع أهل المذاهب ، إن خضعوا له ، وفي ذلك يقول صاحب المباحث : @ مذاهبُ الناس على اختلاف ومذهب القوم على ائتلاف @@ وقال الشاعر : @ عبارتنا شتى وحُسنُك واحد وكلٌّ إلى ذاك الجَمَال يُشير @@ ويقول مَن استبعد الفتح : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ قل : لكم ميعاد يوم عيّنه للفتح ، لا يتقدّم ولا يتأخر . فالأدب : الخدمة وعدم الاستعجال . ثم ذكر ما يلقون في ذلك الميعاد على كفرهم فقال : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ … }