Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 31-33)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : أتى بالعاطف في قوله : { وقال } الأخيرة ، وترَك في الأولى لأن قول الرؤساء جواب لقول المستضعفين ، فحسن ترك العاطف ، ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين ، فعطفه على كلامهم الأول . و { مكر الليل } : الإضافة على معنى " في " ، وإضافة المكر إلى الليل على الاتساع ، بإجراء الثاني مجرى المفعول به ، وإضافة المكر إليه ، أو : جعل الليل والنهار ماكرين بهم مجازاً . يقول الحق جلّ جلاله : { وقال الذين كفروا } كأبي جهل وأضرابه : { لن نُؤمن بهذا القرآنِ ولا بالذي بين يديه } أي : ما نزل قبل القرآن ، من كُتب الله تعالى ، الدالة على البعث . وقيل : إن كفار قريش سألوا أهل الكتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأخبروهم أنهم يجدون نعته في كتبهم ، فغضبوا ، وقالوا ذلك . وقيل : { الذين بين يديه } : القيامة والجنة والنار ، فكأنهم جحدوا أن يكون القرآنُ من عند الله ، وأن يكون ما دلّ عليه من الإعادة للجزاء حقيقة . { ولو ترى } يا محمد ، أو مَن تصح منه الرؤية ، { إِذِ الظالمون موقوفُون } محبوسون { عند ربهم } في موقف الحسابِ { يَرجِعُ } يردّ { بعضُهم إِلى بعضٍ القولَ } في الجدال والمحاورة . أخبر عن عاقبتهم ومآلهم في الآخرة ، فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم ، أو للمخاطب : ولو ترى في الآخرة موقفهم ، وهم يتجاذبُون أطراف المحاورة ، ويتراجعونها بينهم ، لرأيت أمراً فظيعاً ، فحذف الجواب لأن العبارة لا تفي به . ثم بيّن بعض محاورتهم بقوله : { يقول الذين استُضْعِفوا } أي : الأتباع السفلة { للذين استكبروا } أي : الرؤساء المقدّمين : { لولا أنتم لكنا مؤمنين } لولا دعاؤكم إيّانا إلى الكفر لكنا مؤمنين بالله ورسوله . { قال الذين استكبروا للذين استُضْعِفوا أَنحنُ صَدَدْناكم } رددناكم { عن الهُدى بعد إِذ جاءكم بل كنتم مجرمين } أي : بل أنتم صددتم باختباركم ، ولم نقهركم على الكفر . أنكروا أنهم كانوا صادّين لهم عن الإيمان ، وأثبتوا أنهم هم الذين صدُّوا أنفسهم ، حيث أعرضوا عن الهدى ، وآثروا التقليد عليه . وإنما وقعت " إذ " مضافاً إليها ، وإن كانت " إذ " و " إذا " من الظروف اللازمة للظرفية لأنه قد اتّسع في الزمان ما لم يتَسع في غيره . { وقال الذين استُضعفوا للذين استكبروا بل مكرُ الليلِ والنهارِ } أي : بل مكركم بنا بالليل والنهار هو الذي صدّنا عن الهدى . أو : مَكَرَ بنا الليل والنهار ، وطولُ السلامة ، حتى ظننا أنكم على حق فقلدناكم . { إِذ تأمروننا أن نكفرَ بالله ونَجْعَلَ له أنداداً } أشباهاً ، نعبدها معه . والحاصل : أن المستكبرين لَمَّا أنكروا أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين ، وأثبتوا أن ذلك بسبب اختيارهم ، كرّ عليهم المستضعفون بقولهم : { بل مكر الليل والنهار } فأبطلوا إضرابهم بإضرابهم ، كأنهم قالوا : ما كان الإجرامُ من جهتنا ، بل من جهة مكركم بنا دائماً ، ليلاً ونهاراً ، وحملُكم إيّانا على الشرك واتخاذ الأنداد . ثم حصل الندم حيث لم ينفع ، كما قال تعالى : { وأسَرُّوا الندامةَ لَمَّا رَأَوُا العذابَ } أي : أضمرَ الندم كِلاَ الفريقين ، وأخفاه عن رفيقه ، مخافة التعيير ، لَمّا رأوا العذاب ، وتحققوا لحوقه بهم ، فندم المستكبرون على إضلالهم وضلالهم ، والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم . وقيل : معنى أسروا : أظهروا ، فهو من الأضداد . { وجعلنا الأغلالَ في أعناق الذين كفروا } أي : في أعناقهم . فأظهر في محل الإضمار للدلالة على ما استوجبوا به الأغلال ، وهو كفرهم . { هل يُجزون إِلا ما كانوا يعملون } أي : لا يفعل بهم إلا ما استوجبته أعمالُهم الخبيثة في الدنيا . الإشارة : كل مَن له رئاسة وجاه ، عالماً كان أو جاهلاً ، وصدّ الناس عن طريق التربية على يد المشايخ ، يقع له هذا الخصام ، مع مَن صدّهم من ضعفاء الناس ، حيث يرتفع المقربون ، ويسقط الغافلون من تلك المراتب ، فيقع الندم والتحسُّر ، ويتبرأ الرؤساء من المرؤوسين من عامة أهل اليمين . قال القشيري : وهكذا أصحابُ الزلاتِ ، الأخلاء في الفساد أي : يتبرأ بعضهم من بعض وكذلك الجوارحُ والأعضاء ، يشهد بعضها على بعض ، اليدُ تقول للجملة : أخذت ، العين تقول : أبْصرت ، والاختلاف في الجملة عقوبة . ومَنْ عمل بالمعاصي أخرج الله عليه مَن كان أطوع له ، ولكنهم لا يعلمون ذلك . ولو علموا لاعتذروا ، ولو اعتذروا لتابوا وتوقفوا ، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً . هـ . ثم سلّى رسوله فقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ … }