Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 34-36)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وما أرسلنا في قريةٍ من نذيرٍ } رسول { إِلا قال مُتْرَفُوهَا } : متنعّموها ، ورؤساؤها : { إِنا بما أُرسلتم به كافرون } فهذه تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لقي من رؤساء قومه من التكذيب ، والكفر بما جاء به ، وأنه لم يرسل قطّ إلى أهل قرية من نذير إلا قالوا له مثل ما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أهلُ مكة . وتخصيص المتنعمين بالتكذيب لأن الداعي إلى التكبُّر ، وعدم الخضوع للغير هو الانهماك في الشهوات ، والاستهانة بمَن لم يحظَ بها ، جهلاً ، ولذلك افتخروا بالأموال الفانية ، كما قال تعالى : { وقالوا نحن أكثرُ أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذَّبين } رأوا من فرط جهلهم أنهم أكرم على الله من أن يعذّبهم . نظروا إلى أحوالهم في الدنيا ، وظنوا أنهم لو لم يُكرموا على الله لَمَا رزقهم ذلك . ولولا أن المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم ذلك ، فأبطل الله رأيهم الفاسد بقوله : { قل إِن ربي يَبْسُطُ الرزقَ لمن يشاءُ ويقدرُ } أي : يُضيقه على مَن يشاء ، فإن الرزق بيد الله ، يقسمه كيف يشاء . فربما وسّع على العاصي ، استدراجاً ، وضيَّق على المطيع ، تمحيصاً وتطهيراً ، فيوسع على المطيع ، ويضيق على العاصي ، وربما وسّع عليهما على حسب مشيئته ، فلا يُقاسُ عليهما أمر الثواب ، ولو كان ذلك لكرامة وهوان يُوجبانه لم يكن بمشيئته . { ولكن أكثرَ الناس لا يعلمون } فيظنون أن كثرة الأموال والأولاد للشرف والكرامة عند الله . وقد تكون للاستدراج ، وصاحبها لا يشعر . الإشارة : ما حاز الخصوصية وتبع أهلها إلا ضعفاء المال والجاه ، الذين هم أتباع الرسل ، فهم الذين حَطُّوا رؤوسهم ، وباعوا نفوسهم وأموالهم لله ، وبذلوها لمن يُعرّفهم به ، فعوّضهم جنة المعارف ، يتبوؤون منها حيث شاؤوا ، وأما مَن له جاه أو مال فقلّ مَن يحط رأسه منهم ، إلا مَن سبقت له العناية الكبرى . قال القشيري : بعد كلام : ولكنها أقسام سبقت ، وأحكامُ حقت ، ثم الله غالبٌ على أمره . { وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً } وليس هذا بكثرة الأموال والأولاد ، وإنما هي ببصائر مفتوحة لقوم ، ومسدودة لقوم . هـ . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي … }