Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 7-9)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { إذا } : العامل فيه محذوف ، دلّ عليه : { لفي خلق جديد } . و { مُمَزَّقٍ } : مصدر ، أي : تجددون إذا مزقتم كل تمزيق ، و { جديد } : فعيل بمعنى فاعل ، عند البصريين . تقول : جَدَّ الثوب فهو جديد ، أو بمعنى مفعول ، كقتيل ، من جد النساج الثوب : قطعه . ولا يجوز فتح { إنكم } للاّم في خبره . و { أَفْترى } : الهمزة للاستفهام ، وحذفت همزة الوصل للآستغناء عنها . يقول الحق جلّ جلاله : { وقال الذين كفروا } من منكري البعث : { هل نَدلُّكم على رجلٍ } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم ، وإنما نكّروه مع أنه كان مشهوراً عَلَماً في قريش ، وكان إنباؤه بالبعث شائعاً عندهم تجاهلاً به وبأمره . وباب التجاهل في البلاغة معلوم ، دال على سِحْرها ، { يُنَبئُكم إِذا مُزِّقْتمْ كلَّ مُمزَّقٍ إِنكم لفي خلقٍ جديدٍ } أي : يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب ، إنكم تُبعثون وتنشئون خلقاً جديداً ، بعد أن تكونوا رفاتاً وتراباً ، وتمزق أجسادكم بالبلى ، كل تمزيق ، وتفرقون كل تفريق ، { افْترَى على الله كذباً } أي : أهو مفترٍ على الله كذباً فيما يُنسب إليه من ذلك ؟ { أم به جِنَّة } جنون توهمه ذلك ، وتلقيه على لسانه . واستدلت المعتزلة بالآية على أن بين الصدق والكذب واسطة ، وهو كل خبر لا يكون عن بصيرة بالمخبر عنه ، وأجيب : بأن الافتراء أخص من الكذب ، لاختصاص الافتراء بالتعمُّد ، والكذب أعم . وكأنه قيل : أتعمّد الكذب أو لم يتعمّد بل به جنون . قال تعالى : { بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلالِ البعيدِ } أي : ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء ، وهو منزّه عنهما ، بل هؤلاء الكفرة ، المنكرون للبعث ، واقعون في عذاب النار ، وفيما يؤديهم إليه من الضلال البعيد عن الحق ، بحيث لا يرجى لهم الخلاص منه ، وهم لا يشعرون بذلك ، وذلك أحق بالجنون . جُعل وقوعهم في العذاب رسيلاً لوقوعهم في الضلال ، مبالغة في استحقاقهم له ، كأنهما كائنان في وقتٍ واحد لأن الضلال ، لمّا كان العذاب من لوازمه ، جُعلا كأنهما مقترنان . ووَصْف الضلال بالبعيد من الإسناد المجازي لأنَّ البعيد في صفة الضالّ إذا بَعُدَ عن الجادة . { أفلم يَرَوا إِلى ما بين أيديهم وما خلفَهُم من السماءِ والأرض إِن نشأ نَخْسِفُ بهم الأرضَ أو نُسْقِطْ عليهم كِسَفاً من السماء } أي : أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض ، وأنهما أينما كانوا ، وحيثما ساروا ، وجدوهما أمامهم وخلفهم ، محيطتان بهم ، لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما ، وأن يخرجوا عما هم فيه ، من ملكوت الله ، ولم يخافوا أن يخسفَ الله بهم في الأرض ، أو يسقط عليهم { كِسفاً } قطعة ، أو قطعاً من السماء بتكذيبهم الآيات ، وكفرهم بما جاء به الرسول ، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة . وقرأ حمزة والكسائي " يخسف " ، و " يسقط " بالياء لعود الضمير على الله في قوله : { أَفترى على الله } ، وقرأ حفص : " كَسَفاً " بالتحريك ، جمعاً . { إِن في ذلك لآيةً } إن في النظر إلى السماء والأرض والتفكُّر فيهما ، وما يدلان عليه من كمال قدرته تعالى لدلالةً ظاهرة على البعث والإنشاء من بعد التفريق ، { لكل عبدٍ مُّنِيب } راجع بقلبه إلى ربه ، مطيع له تعالى ، إذ المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله ، فيعتبر ، ويعلم أن مَن قدر على إنشاء هذه الأجرام العظام ، قادر على إحياء الأموات وبعثها ، وحسابها وعقابها . الإشارة : يقول شيوخ التربية : بقدر ما يمزق الظاهر بالتخريب والإهمال يحيى الباطن ويعمر بنور الله ، وبقدر ما يعمر الظاهر يخرب الباطن ، فيقع الإنكار عليهم ، ويقول الجهلة : هل ندلكم على رجل يُنبئكم إذا مُزقتم في الظاهر كل مُمَزقٍ ، يُجدد الإيمان والإحسان في بواطنكم ، أَفْترى على الله كذباً أم به جِنة ؟ بل الذين لا يؤمنون بالنشأة الآخرة وهي حياة الروح بمعرفة الله في عذاب الحجاب والضلال ، عن معرفة العيان بعيد ، ما داموا على ذلك الاعتقاد ، ثم يهددون بما يُهدد به منكرو البعث . والله تعالى أعلم . ثم ذكر تعالى نعمته على داود وسليمان ، احتجاجاً على ما منح محمد عليه الصلاة والسلام من الرسالة والوحي ، ردًّا لقولهم : { أَفترى على الله كذباً } ، ودلالة على قدرته تعالى على البعث وغيره . فقال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً … }