Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 18-18)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " وازرة " : صفة لمحذوف ، أي : نفس آثمة . و " إن تدع " : شرط ، و " لا يُحمل " : جواب ، و " لا " النافية لا تمنع الجواب من الجزم . يقول الحق جلّ جلاله : { ولا تَزِرُ وازرة وِزْرَ أُخرى } أي : ولا تحمل نفس آثمة إثمَ نَفْسٍ أخرى ، والوزر والوِقر أخوان ، ووزَر الشيء : حمله . والمعنى : أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته ، فلا تؤخذ نفس بذنب نفس أخرى ، كما تأخذ جبابرةُ الدنيا الظلمةُ الجارَ بجريمة الجار ، والقريبَ بالقريب ، فذلك ظلم محض . وأما قوله تعالى : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] ففي الضالّين المضلّين ، فإنهم يحملون أثقال إضلالهم وأثقال ضلالهم ، وكل ذلك أوزارهم ، ليس فيها شيء من أوزار غيرهم . ألا ترى كيف كذّبهم الله تعالى في قوله : { اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ العنكبوت : 12 ] . قال ابن عطية : مَن تطرق من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمة كفعل زياد ونحوه ، فإن ذلك ، لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بمؤازرة ، أو مواصلة ، أو اطلاع على حاله ، أو تقرير له ، فهذا قد أخذ من الجُرم بنصيب . وهذا هو المعنى بقوله تعالى : { وليحملن أثقالهم … } الآية لأنهم أغروهم ، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " مَن سنَّ سُنَّة حسنة … " الحديث ، فراجعه . قلت : لا يجوز الإقدام على ظلم أحد بمجرد الظن ، فالصواب حسم هذا الباب ، والتصريح بتحريمه لكثرة جوز الحُكام . ثم قال تعالى : { وإِن تَدْعُ } نفس { مثقلةً } بالذنب أحداً { إِلى حِمْلِها } أي : إلى حمل ثِقل ذنوبها ، ليتحمل عنها بعض ذلك ، { لا يُحْمَل منه شيءٌ ولو كان } المدعو ، المفهوم من قوله : { وإِن تدع } ، { ذا قُربى } ذا قرابة قريبة ، كأب ، وولد ، وأخ . والفرق بين معنى قوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وبين قوله : { إِن تدع مثقلة إلى حِمْلها لا يُحمل منه شيء } أنَّ الأول دالّ على عدل الله في حكمه ، وأنه لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها ، والثاني : في بيان أنه لا غياث يومئذ لمَن استغاث ، فمَن أثقلته ذنوبه ثم استغاث بأحد لم يُغثه ، وهذا غاية الإنذار . ثم بيّن مَن ينتفع به بقوله : { إِنما تُنذِرُ الذين يخشون ربهم } أي : إنما ينتفع بإنذارك مَن خشي ربه { بالغيب } أي : يخشون ربهم غائبين عنه ، أو : يخشون عذابه غائباً عنهم ، فهو حال ، إما من الفاعل أو المفعول المحذوف . أو : يخشون ربهم في حال الغيب ، حيث لا اطلاع للغير عليهم ، فيتقون الله في السر ، كما يتقون في العلانية . { وأقاموا الصلاةَ } أتقنوها في مواقيتها ، { ومَن تزكَّى } أي : تطهّر بفعل الطاعات ، وترك المنهيات ، { فإِنما يتزكَّى لنفسه } إذ نفعه يعود لها ، وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم ، وإقامتهم الصلاة لأنها من جملة التزكي . { وإِلى الله المصيرُ } المرجع ، فيجازيهم على تزكيتهم ، وهو وعد للمتزكِّين بالثواب . الإشارة : وبال الوزر خاص بصاحبه ، إلا إذا كان مقتدى به ، فإنَّ عيبه أو نقصه يسري في أصحابه ، حتى يطهر منه أن الصحبة صيرت الجسدين واحداً . وراجع ما تقدّم عند قوله : { واتَّقُوا فِتْنَةً … } [ الأنفال : 25 ] الآية . قال القشيري : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } كلٌّ مُطَالَبٌ بعمله ، ومحاسبٌ عن ديوانه . ولكلٍّ معه شأن ، وله مع كلِّ أحدٍ شأن ، ومن العبادات ما تجري فيها النيابة ، ولكن في المعارف لا تجري النيابة ولو أن عبداً عاصياً منهمكاً في غوايته فاتته صلاةٌ مفروضةٌ ، فلو قضى عنه ألفُ وليٍّ ، وألفُ صَفِيٍّ ، تلك الصلاة الواحدة ، عن كل ركعةٍ ألف ركعةٍ لم تُقْبَلْ . هـ . وقال في قوله تعالى : { إِنما تُنذر … } الخ : الإنذار هو الإعلام بموضع المخافة . والخشيةُ هي المخافة ، فمعنى الآية : لا ينتفع بالتخويف إلا صَاحِبُ الخوف طيرُ السماء على إلافها تقع . هـ . ثم ضرب المثل ومن لم يترك ، فقال : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ … }