Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 19-24)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وما يستوي الأعمى والبصيرُ } أي : لا يستوي الكافر والمؤمن ، أو الجاهل والعالم . وقيل : هما مثلان للصنم والله تعالى . { ولا الظلماتُ } كالكفر والجهل ، { ولا النورُ } كالإيمان والمعرفة ، { ولا الظلُّ } كنعيم الجنان ، { ولا الحَرورُ } كأليم النيران . والحَرور : الريح الحارّ كالسموم ، إلا أن السموم يكون بالنهار ، والحرور يكون بالليل والنهار . قاله الفرّاء . { وما يستوي الأحياءُ ولا الأمواتُ } تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين ، أبلغ من الأول ، ولذلك كرر الفعل ، وقيل : للعلماء والجهال . وزيادة " لا " في الجميع للتأكيد ، وهذه الواوات بعضها ضمت شفعاً إلى شفع ، وبعضها وترأً إلى وتر . { إِن الله يُسْمِعُ من يشاء } بهدايته وتوفيقه لفهم آياته والاتعاظ بها . { وما أنت بمُسْمِعٍ مَن في القبور } شبّه الكفار بالموتى ، حيث لا ينتفعون بمسموعهم ، مبالغة في تصاممهم ، يعني أنه تعالى عَلِمَ مَن يدخل في الإسلام ممن لا يدخل ، فيهدي مَن يشاء هدايته ، وأما أنت فخفي عليك أمرهم ، فلذلك تحرص على إسلام قوم مخذولين ، فإنذارهم كإنذار مَن في القبور من الموتى . قال ابن عطية : الآية تمثيل بما يحسّه البشر ، ويعهده جميعنا من أنَّ الميت الذي في القبر لا يسمع ، وأما الأرواح فلا نقول : إنها في القبر ، بل تتضمن الأحاديث أن أرواح المؤمنين في شجر عند العرش ، وفي قناديل وغير ذلك ، وأن أرواح الكفرة في سجِّين ، ويجوز في بعض الأحيان أن تكون الأرواح عند القبور ، فربما سمعت ، وكذلك أهل قليب بدر ، إنما سمعت أرواحهم ، فلا تعارض بين الآية وحديث القليب . هـ . ثم قال تعالى : { إِن أنت إِلا نذيرٌ } أي : ما عليك إلا التبليغ والإنذار ، فإن كان المنذر ممن يسمع الإنذار نفعه ، وإن كان من المصريين فلا عليك . { إِنَّا أرسلناك بالحق } أي : محقاً ، أو : محقين : أو : إرسالاً مصحوباً بالحق ، فهو حال من الفاعل ، أو المفعول ، أو صفة لمصدر محذوف ، { بشيراً } لمَن آمن { ونذيراً } لمَن كفر ، { وإِن من أُمَّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ } أي : ما من أمة من الأمم الماضية ، قبل أمتك ، إلا فيها نذير نبيّ ، أو عالم ، يخوفهم . ويقال لأهل كل عصر : أمة . والمراد هنا : أهل العصر . قال ابن عطية : معناه : أن دعوة الله تعالى قد عمَّت جميع الخلق ، وإن كان فيهم مَن لم تباشره النِّذارة ، فهو ممن بَلَغَته الدعوة ، لأن آدم بُعث إلى بنيه ، ثم لم تنقطع النذارة إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم . والآية تتضمن أن قريشاً لم يأتهم نذيرٌ ، ومعناه : نذيرٌ مباشر ، وما ذكر المتكلمون من فرض أصحاب الفترات ونحوهم ، فإنما ذلك بالفرض ، لا أنه توجد أُمةً لم تعلم أن في الأرض دعوة إلى عبادة الله . هـ . وذكر في الإحياء ، في باب التوبة : أنه يشبه أن يكون مَن لم تبلغهم الدعوة في أطراف البلاد ، وعاشوا على البله وعدم المعرفة ، فلم تكن لهم معرفة ، ولا جحود ، ولا طاعة ، ولا معصية ، هم أهل الأعراف لأنه لا وسيلة تقربهم ، ولا جناية تُبعدهم ، فما هم من أهل الجنة ، ولا من أهل النار ، ويُتركون في منزلة بين المنزلتين ، ومقام بين المقامين . هـ . وقال ابن مرزوق في شرح حديث هرَقْل : الدين الحق هو الإسلام ، وما سواه باطل ، عقلاً ونقلاً ، فلا عذر لمنتحليه بالإجماع ، كان متأولاً مجتهداً ، أو مقلداً جاهلاً لأن أدلة الإسلام واضحة قطعية ، ومخالف مقتضاها مخطىء قطعاً . هـ . وقال ابن عطية أيضاً ، ما نصه : آدم عليه السلام فمن بعده ، دعا إلى توحيد الله تعالى دعاءً عاماً ، واستمر ذلك على العالم ، فواجب على الآدمي أن يبحث عن الشرع ، الآمر بتوحيد الله تعالى ، وينظر في الأدلة المنصوبة على ذلك ، بحسب إيجاب الشرع النظر فيها ، ويؤمن ، ولا يعبد غير الله ، فمَن فرضناه لم يجد سبيلاً إلى العلم ، فأولئك أهل الفترات ، الذين أطلق عليهم أهل العلم أنهم في الجنة ، وهم بمنزلة الأطفال والمجانين ، ومن قصر في النظر والبحث ، فَعَبَد صنماً أو غيره ، وكفر ، فهذا ترك الواجب عليه ، مستوجب للعقاب بالنار . هـ . وقال أيضاً : إنما صاحب الفترة بفرض أنه آدمي ، لم يصل إليه : أن الله بعث رسولاً ، ولا دعا إلى دين وهذا قليل الوجود إلا إن شذ في أطراف الأرض ، والمواضع المنقطعة عن العمران . هـ . والحاصل : أن مَن بلغه خبر الشرائع السابقة ، والدعاء إلى توحيد الله ، لا عذر له ، وإنما بُعثت الرسل بعد ذلك تجديداً ، ومبالغة في إزاحة العذر ، وإكمال البيان . قاله المحشي . الإشارة : وما يستوي الأعمى ، الذي لا يرى إلا حس الكائنات ، والبصير ، الذي فتحت بصيرته ، فشاهد المكوّن ، ولم يقف مع حس الكون ، ولا الظلمات : المعاصي والغفلة ودائرة الحس ، ونور اليقظة والعفة والمعرفة ، ولا ظل برْد الرضا والتسليم ، وحرور التدبير والاختيار ، وما يستوي الأحياء ، وهم العارفون بالله ، الذاكرون الله ، والأموات الجاهلون ، أو الغافلون . قال القشيري : { وما يستوي الأعمى والبصير … } الآية ، كذلك لا يستوي الموصول بنا والمشغول عنَّا ، والمجذوبُ إلينا والمحجوبُ عنَّا ، ومَن أشهدناه حقَّنا ، ومَن أغفلنا قلبه عن ذِكْرِنا . هـ . وقوله تعالى : { وإِن من أُمةٍ إِلا خلا فيها نذير } النذير على قسمين : نذير من وبال الذنوب ، ونذير من وبال العيوب . فوبال الذنوب : العذاب ، ووبال العيوب : الحجاب ، فمَن تطهَّر من الذنوب استوجب نعيم الجنان ، ومَن تطهّر من العيوب استوجب لذيذ الشهود والعيان . فالنذير الأول عالم بأحكام الله ، والثاني عارف بالله الأول مقتصد ، والثاني سابق ، ولا يخلو الدهر منهما ، حتى يأتي أمر الله ، فالشريعة باقية قائمة بقيام العلماء ، والطريقة والحقيقة قائمتان بقيام الأولياء العارفين بالله ، أهل التربية النبوية ، بالاصطلاح ، والهمة ، والحال . ومَن قال خلاف هذا فقد قال بالمحال . ثم سلّى نبيه لأنه لمَّا أنذر قومه قابلوه بالتكذيب فقال : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ … }