Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 29-31)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { إِن الذين يتلون كتابَ الله } أي : يُداومون على تلاوة القرآن { وأقاموا الصلاةَ } أتقنوها في أوقاتها ، { وأنفقوا مما رزقناهم } فرضاً ونفلاً { سراً وعلانيةً } مسرّين النفل ، ومعلنين الفرض ، ولم يقنعوا بتلاوته عن العمل به . وخبر " إن " : قوله : { يرجُونَ تجارةً لن تبور } لن تكسد ، وهو ثواب أعمالهم ، يعني : يطلبون تجارة ينتفي عنها الكسد ، وتنفق عند الله . { ليُوَفّيَهم } متعلق بـ " تبور " ، أي : ليوفيَهم بإنفاقها عند الله { أُجُورهم } ثواب أعمالهم { ويَزيدَهُم من فضله } بتفسيح القبور ، أو : تشفيعهم في أهلهم ، ومَنْ أحسن إليهم ، أو : تضعيف حسناتهم ، أو : بتحقيق وعد لقائه . أخرج ابن أبي شيبة عن بريدة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة ، حين ينشق عنه القبر ، كالرجل الشاحب ، يقول له : هل تعرفني ؟ فيقول : ما أعرفك ، فيقول : أنا صاحبك الذي أظمأتك في الهواجر ، وأسهرت ليلتك ، فإنَّ كل تاجر وراء تجارته . قال : فيُعطى المُلك بيمينه ، والخُلد بشماله ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويُكسى والداه حُلَّتين ، لا تُقوّم لهما الدنيا ، فيقولان : بِمَ كُسِينَا هذا ؟ فيقال لهما : بأخْذِ وَلَدِكُما القرآنَ . ثم يقال له : اقرأ ، واصعد في درج الجنة وغرفها ، فهو في صعود ما دام يقرأ " . وذُكر في بعض الأخبار : أن حملة القرآن يُحشرون يوم القيامة على كثبان المسك ، وأنوارُ وجوههم تغشى النظار ، فإذا أتوا إلى الصراط تلقتهم الملائكة الذين وُكلوا بحملة القرآن ، فتأخذ بأيديهم ، وتُوضع التيجان على رؤوسهم ، والحُلل على أجسادهم ، وتُقرب إليهم خيل من نور الجنة ، عليها سُرُج المسك الأذفر ، ألجمتُها من اللؤلؤ والياقوت ، فيركبونها ، وتطير بهم على الصراط ، ويجوز في شفاعة كل واحد منهم مائة ألف ممن استوجب النار ، وينادي مناد : هؤلاء أحباء الله ، الذين قرأوا كتاب الله ، وعَمِلوا به ، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . هـ . { إِنه غفور شكور } غفور لهفواتهم ، شكور لأعمالهم ، يُعطي الجزيل ، على العمل القليل . { والذي أوحينا إليك مِن الكتاب } أي : القرآن ، و " مِن " : للتبيين ، { هو الحقُّ } لا مرية فيه ، { مصدّقاً لما بين يديه } لما تقدمه من الكتب ، { إِن الله بعباده لخبير بصير } عالم بالظواهر والبواطن ، فعلِمَك وأبصر أحوالك ، ورآك أهلاً لأن يُوحي إليك هذا الكتاب المعجز ، الذي هو عِيار على سائر الكتب . الإشارة : كل ما ورد في فضل أهل القرآن ، فالمراد به في حق مَن عَمِلَ به ، وأخلص في قراءته ، وحافظ على حدوده ، ورعاه حق رعايته . وقد ورد فيمن لم يعمل به ، أو قرأه لغير الله ، وعيد كبير ، وورد أنهم أول مَن يدخل جهنم . قال شيخ شيوخنا ، سيدي عبد الرحمن الفاسي ، بعد ذكر الحديثين في فضل حامل القرآن : وهذا مقيد بالعمل ، أي : فإنَّ منزلتك عند آخر آية مما عملتَ ، لا مما تلوتَ وخالفتَ بعملك لأنه لو كان كذلك لانخرقت أصول الدين ، ويؤدي إلى أن مَن حفظ سرد القرآن اليوم ، يكون أفضل من كثير من الصحابة الأخيار ، والصالحين الأبرار فإن كثيراً من خيارهم مات قبل حفظ جميعه . هـ . ثم فصّل أحوالهم فقال : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ … }