Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 3-4)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { غيرُ الله } : من رفعه فنعت للمحل ، أي : هل خالق غير الله ، ومن جره : فنعت للفظ . و { يرزقكم } : إما استئناف ، أو : صفة ثانية لخالق ، و { لا إله إلا هو } : مستأنفة ، لا محل لها . يقول الحق جلّ جلاله : { يا أيها الناس اذكروا نعمةَ اللهِ عليكم } باللسان والقلب ، وهي التي تقدمت ، من بسط الأرض كالمهاد ، ورفع السماء بلا عماد ، وإرسال الرسل للهداية والإرشاد ، والزيادة في الخلق ، وفتح أبواب الرزق . ثم نبَّه على أصل النعم ، وهو توحيد المُنْعم ، فقال : { هل من خالق غيرُ اللهِ يرزقكم من السماء } بالمطر { والأرض } بالنبات ، بل لا خالق يرزق غيره ، { لا إِله إِلا هو فأنى تُؤفكون } فمن أيِّ وجه تُصرفون عن التوحيد إِلى الشرك . ثم سلَّى نبيه عن صدف قومه عن شكر المُنعم بقوله : { وإِن يُكذِّبوك فقد كُذِّبتْ رسلٌ مِن قبلك } فلك فيهم أُسوة ، فاصبر كما صبروا . وتنكير " رسل " للتعظيم ، المقتضي لزيادة التسلية ، والحث على المصابرة ، أي : فقد كُذِّبت رسل عظام ، ذوو عدد كثير ، وأولو آيات عديدة ، وأهل أعمار طوال ، وأصحاب صبر وعزم . وتقدير الكلام : وإن يكذبوك فتأسّ بتكذيب الرسل قبلك لأن الجزاء يعقب الشرط ، ولو أجري على الظاهر ، لكان الجزاء مقدماً على الشرط لأن تكذيب الرسل سابق ، فَوضعَ { فقد كُذّبت رسل من قبلك } موضع فتأسّ ، استغناءً بالسبب عن المسبب . { وإِلى الله تُرجع الأمورُ } وهو كلامٌ مشتمل على الوعد والوعيد ، من رجوع الأمور إلى حكمه ، ومجازاة المكذِّب والمكذَّب بكل ما يستحقه في الدنيا والآخرة ، في الدنيا بالنصر والعز لأهل الحق ، وبالذل والإهانة لأهل التكذيب ، وفي الآخرة معلوم ، فالإطلاق أحسن من التقييد بالآخرة . والله تعالى أعلم . الإشارة : ذكر النعمة هو أن ينظر العبد ، ويتفكر في نفسه ، فيجد نفسه مغروقة في النعم الظاهرة والباطنة . وقد تقدّم تعدادها في لقمان . وليتفكر في حالته الماضية ، فقد كان جاهلاً ، فعلَّمه الله ، ضالاًّ ، فهداه الله ، غافلاً ، فأيقظه الله ، عاصياً ، فوفقه الله ، إلى غير ذلك من الأحوال السنية . ولينظر أيضاً إلى مَن تحته مِن العباد ، فيجد كثيراً مَن هو أسوأ منه حالاً ومقاماً ، فيحمد الله ويشكره . قال صلى الله عليه وسلم : " انظروا إلى مَن هو تحتكم ولا تنظروا إلى مَن فوقَكم فهو أَجْدَرُ ألا تَزْدَرُوا نعمةَ الله عليكم " وحمله المحققون على العموم في الدين والدنيا . ذكره ابن عباد في الرسائل وغيره . وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : تذاكروا النعم فإن ذكرها شكر . هـ . وقال القشيري : مَنْ ذَكَرَ نعمَته فصاحبُ عبادةٍ ، ونائِلُ زيادة ، ومَن ذَكَرَ المُنْعِمَ فصاحبُ إرادة ، ونائل زيادة ، ولكنْ فرقٌ بين زيادة وزيادةً ، هذا زيادته في الدارين عطاؤه ، وهذا زيادته لقاؤه ، اليومَ سِرًّاً بِسِرٍّ ، من حيث المشاهدة ، وغداً جَهْراً بِجَهْرٍ ، من حيث المعاينة . هـ . قلت : مَن تحقق بغاية الشهود لم يبقَ له فرق بين شهود الدارين إذ المتجلي واحد . ثم قال : والنعمة على قسمين : ما دَفَعَ من المِحَن ، وما وضع من المِنَن ، فَذِكْرُه لما دَفَعَ عنه يوجب دوامَ العصمة ، وذكره لما نَفَعَه به يوجب تمام النعمة ، { هل من خالق غير الله … } ؟ فائدة هذا التعريف بوحدانيته ، فإذا عَرَفَ أنه لا رازق غيره لم يُعلِّق قلبَه بأحدٍ في طلب شيءٍ . وتَوَهم شيء من أمثاله وأشكاله ، ويستريح لشهود تقديره ، ولا محالة يُخْلِصُ في توكله وتفويضه . هـ . ثم قال في قوله : { وإِن يُكذِّبوك … } الآية : وفي هذا إشارة للحكماء ، وأرباب القلوب ، مع العوامِّ والأجانب عن هذه الطريقة ، فإنهم لا يقبلون منهم إلا القليل ، وأهل الحقائق منهم أبداً في مقاساة الأذية ، إلا بسَتْر حالهم عنهم ، والعوام أقرب إلى هذه الطريقة من القُرَّاءِ المتعمقين ، والعلماء المتجمدين ، الذين هم لهذه الأصول منكرون . هـ . ثم حذَّر من الدنيا لأنها تنسي النعم والشكر فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ … }