Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 42-44)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " جهد " : نصب على المصدر ، أو على الحال . و " استكبار " و " مكر " : مفعول من أجله أو حال . يقول الحق جلّ جلاله : { وأقسموا بالله جَهْدَ أيمانهم } أي : إقساماً وثيقاً ، أو : جاهدين في أيمانهم : { لئن جاءهم نذير } رسول { ليكونن أهدى من إحدى الأمم } المهتدية ، بدليل قوله : { أهدى } وقوله في سورة الأنعام : { لَكُنَّآ أَهْدَى مِنْهُمْ } [ الأنعام : 157 ] وذلك أن قريشاً قالوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا بلغهم أن أهل الكتاب كذّبوا رسلهم : لعن الله اليهود والنصارى ، أتتهم الرسل فكذبوهم ، فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم ، أي : من الأمة التي يقال فيها : هي أهدى الأمم ، تفضيلاً لها على غيرها في الهُدى والاستقامة . كما يقال للداهية العظيمة : هي أهدى الدواهي . فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { ما زادهم إِلا نُفوراً } أي : ما زادهم مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم إلا تباعداً عن الحق ، وهو إسنادٌ مجازيّ إذ لا فاعل غيره . { استكباراً في الأرض ومكرَ السيىء } أي : ما زادهم إلا تهوُّراً للاستكبار ومكر السيىء . أو : مستكبرين وماكرين برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، المكر القبيح ، وهو إجماعهم على قتله عليه الصلاة والسلام ، وإذاية مَن تبعه . وأصل قوله : { ومكر السيىء } : وأن مكروا المكر السيىء ، فحذف الموصوف استغناء بوصفه ، ثم أبدل " أن " مع الفعل بالمصدر ، ثم أضيف إلى صفته اتساعاً ، كصلاة الأولى ، ومسجد الجامع . { ولا يحيق المكرُ السيىء إِلا بأهله } أي : لا يحيط وينزل المكر السيىء إلا بمَن مكره ، وقد حاق بهم يوم بدر . وفي المثل : مَن حفر حفرة وقع فيها { فهل ينظُرون إِلا سُنَّة الأولين } : ما ينتظرون إلا أن ينزل بهم ما نزل بالمكذبين الأولين ، من العذاب المستأصل ، كما هي سُنَّة الله فيمن كذّب الرسل . { فلن تجد لسُنة الله تبديلاً ، ولن تجد لسُنة الله تحويلاً } بيّن أن سُنَّته التي هي الانتقام من مكذِّبي الرسل سُنَّة ماضية ، لا يبدلها في ذاتها ، ولا يحوّلها عن وقتها ، وأنَّ ذلك مفعول لا محالة . { أَوَلَم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم } ممن كذَبوا رسلهم ، كيف أهلكهم الله ودمرهم ، كعاد ، وثمود ، وقرىء قوم لوط . استشهد عليهم بما كانوا يُشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق ، من آثار الماضين ، وعلامات هلاكهم ودمارهم . { و } قد { كانوا أشدَّ منهم قوةً } واقتداراً ، فلم يتمكنوا من الفرار ، { وما كان الله ليُعْجِزَه } ليسبقه ويفوته { من شيءٍ } أيَّ شيء كان { في السماوات ولا في الأرض إِنه كان عليماً } بأحوالهم { قديراً } على أخذهم . وبالله التوفيق . الإشارة : ترى بعض الناس يقول : لئن ظهر شيخ التربية لنكونن أول مَن يدخل معه ، فلما ظهر ، عاند واستكبر ، وربما أنكر ومكر . نعوذ بالله من سابق الخذلان . قال القشيري : ليس لقولهم تحقيق ، ولا لضمانهم توثيق ، وما يَعدُون من أنفسهم فصريحُ زورٍ ، وما يُوهمُون من وِفاقهم فصِرْفُ غرور . وكذلك المريد في أول نشاطه ، تُمَنِّيه نَفْسُه ما لا يقدر عليه ، فربما يعاهد الله ، ويؤكد فيه عقداً مع الله ، فإذا عَضّتْهُ شهوتُه ، وأراد الشيطانُ أن يكذبه ، صَرَعه بكيده ، وأركسه في كُوةِ غيِّه ، وفتنةِ نَفْسه فيسودُّ وجْهُه ، ويذهب ماء وجهه . ثم قال في قوله : { أولم يسيروا … } الخ : ما خاب له وليٌّ ، وما ربح له عدو ، ولا تنال الحقيقةُ بمَن انعكس قَصْدُه ، وارتدَ عليه كيدُه ، دَمّر على أعدائه تدميراً ، وأوسع لأوليائه فضلاً كبيراً . هـ . ثم تمّم قوله : { إِنه كان حليماً غفوراً } ، بقوله : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ … }