Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 12-12)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { إِنَّا نحنُ نحيي الموتَى } أي : نبعثهم بعد مماتهم ، أو : نُخرجهم من الشرك إلى الإيمان . قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي : لَمَّا أمر بالتبشير بالمغفرة ، والأجر الكريم ، لمَن انتفع بالإنذار ، أعلم بحكم مَن لم يؤمن ، ولم ينتفع بالإنذار ، وأنه يبعثهم ، وإليه حكمهم ، كما قال : { إِنَّمَا يَستَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ } [ الأنعام : 36 ] هـ . { ونكتُبُ ما قدّموا } ما أسلفوا من الأعمال الصالحات وغيرها ، { وآثارَهُمْ } ما تركوه ، بعدهم من آثار حسنة ، كعِلْم علَّموه ، أو كتاب صنَّفوه ، أو حبس حبسوه ، أو رباط أو مسجد صنعوه . أو آثار سيئة ، كبدعة ابتدعوها في الإسلام . ونحوه قوله تعالى : { يُنَبَّؤُاْ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] أي : قدّم من عمله وأخّر من آثاره . وفي الحديث : " مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً ، فعمل بها من بعده ، كان له أجرُها ومثل أجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن يَنْقُص من أجورِهِمْ شيءٌ . ومَن سَنَّ في الإسلام سُنَّة سيئةً فعليه وزرها ، ووزرُ مَن عمل بها ، من غير أن يَنْقُص من أوزارهم شيءٌ " وفي خبر آخر : " سبع تجري على العبد بعد موته : مَن غرس غرساً ، أو حفر بئراً ، أو أجرى نهراً ، أو علَّمَ علماً ، أو بنى مسجداً ، أو ورَّث مصحفاً ، أو ولداً صالحاً " انظر المنذري . وهذا كله داخل في قوله تعالى : { وآثارهم } قيل : آثارهم : خطاهم إلى المساجد ، للجمعة وغيرها . { وكل شيءٍ أحصيناه } حفظناه ، أو عددناه وبيَّنَّاه { في إِمامٍ } كتاب { مبينٍ } اللوح المحفوظ لأنه أصل الكتب وإمامها ، وقيل : صحف الأعمال . والمراد : تهديد العباد بإحصاء ما صنعوه من خير أو شر ، لينزجروا عن معاصي الله ، وينهضوا إلى طاعة الله . الإشارة : إنّا نحن نُحيي القلوب الميتة بالغفلة والجهل ، فنحييها بالعلم والمعرفة ، ونكتب ما قدّموا من العلوم ، والأسرار والمعارف ، وآثارهم ، أي : الأنوار المتعدية إلى الغير ، ممن اقتبس منهم وأخذ عنهم . قال القشيري : نُحيي قلوباً ماتت بالقسوة ، بما نُمطر عليها من صنوف الإقبال والزلفة ، ونكتب ما قدموا { وآثارهم } خطاهم إلى المساجد ، ووقوفهم على بساط المناجاة معنا ، وما ترقرقَ من دموعهم على عَرَصات خدودهم ، وتَصَاعُدَ أنفاسهم . هـ . ثم ضرب مثلاً لقريش في تكذيبهم ، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلَّم ، فقال : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً … }