Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-19)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " اضرب " : يكون بمعنى : اجعل ، فيتعدى إلى مفعولين ، و " مَثَلاً " : مفعول أول ، و { أصحاب } مفعول ثان ، أو : بمعنى : " مثل " ، من قولهم : عندي من هذا الضرب كذا ، أي : من هذا المثال . و " أصحاب " : بدل من " مَثَلاً " ، و " إذ " : بجل من " أصحاب " . و " أَئِن ذُكِّرتُم " : شرط ، حُذف جوابه . يقول الحق جلّ جلاله : { وَاضْرِبْ لهم } أي : لقريش { مَثلاً أصحابَ القرية } أي : واضرب لهم مثل أصحاب لهم مثل أصحاب القرية " أنطاكية " أي : اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية ، { إِذ جاءها } أي : حين جاءها { المرسلون } رُسل عيسى عليه السلام ، بعثهم دعاةً إلى الحق ، إلى أهل أنطاكية . وكانوا عبدة أوثان . { إِذ أرسلنا } : بدل من " إذ " الأولى ، أي : إذ بعثنا { إِليهم اثنين } بعثهما عيسى عليه السلام ، وهما يوحنا وبولس ، أو : صادقاً وصدوقاً ، أو غيرهما . فلما قربا إلى المدينة ، رأيا شيخاً يرعى غنيمات له ، وهو حبيب النجار ، فسأل عن حالهما ، فقالا : نحن رسولا عيسى ، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن ؟ فقال : أمعكما آية ؟ فقالا : نشفي المريض ، ونُبرىء الأكمه والأبرص ، وكان له ابن مريض منذ سنين ، فمسحاه ، فقام ، فآمن حبيب ، وفشا الخبر ، فَشُفِي على أيديهما خلق كثير ، فدعاهما الملك ، وقال : ألنا إِلهٌ سوى آلهتنا ؟ فقالا : نعم ، مَن أوجدك وآلهتك ، فقال : قُوما حتى أنظر في أمركما ، فحبسهما . ثم بعث عيسى عليه السلام شمعونَ ، فدخل متنكراً ، وعاشر حاشية الملك ، حتى استأنسوا به ، ورفعوا خبره إلى الملك ، فاستأنس به . فقال له ذات يوم : بلغني أنك حبستَ رجلين ، فهل سمعتَ قولهما ؟ قال : لا ، فدعاهما . فقال شمعون : مَن أرسلكما ؟ فقالا : الله الذي خَلَق كل شيء ، ورَزَق كل حيّ ، وليس له شريك . فقال : صِفاه وأوجزا ، فقالا : يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، قال : وما آيتكما ؟ قالا : ما يتمنّى الملك ، فدعا بغلام أكمه ، فدعَوا الله ، فأبصر الغلامُ ، فقال شمعون للملك : أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا ، فيكون لك وله الشرف ؟ فقال : ليس لي عنك سرٌّ ، إن إلهنا لا يُبصر ولا يَسمع ، ولا يضر ، ولا ينفع . فقال : إِنْ قدر إلاهكما على إحياء ميّت آمنا ، فدعَوا بغلام مات منذ سبعة أيام ، فقام ، فقال : إني دخلت في سبعة أودية من النار لِمَا مت عليه من الشرك ، وأنا أُحذّركم ما أنتم عليه ! فآمِنوا . قال : وفُتحت أبواب السماء ، فرأيت شابّاً حسن الوجه ، يشفع لهؤلاء الثلاثة ، قال الملك : مَن هم ؟ قال : شمعون وهذان ، فتعجّب الملك . فلمّا رأى شمعون أن قوله أثّر فيه ، نصَحه وآمن ، وآمن قوم ، ومَن لم يؤمن صاح عليهم جبريل ، فهلكوا . كما سيذكره بقوله : { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون } . وهذا معنى قوله هنا : { فَكذَّبُوهُما } أي : فكذّب أصحابُ القرية المرسلين ، { فعَزَّزْنَا } : قويناهما . وقرأ شعبة بالتخفيف ، من : عزّه : غلبه ، أي : فغلبنا وقهرنا { بثالثٍ } وهو شمعون ، وترك ذكر المفعول به لأنَّ المراد ذكر المعزّز به ، وهو شمعون ، وما لطف به من التدبير حتى عزّ الحق ، وذلّ الباطل . وإذا كان الكلامُ مُنصبًّا إلى غرض من الأغرض جُعل سياقه له وتوجُّهه إليه كأنما سواه مرفوض . { فقالوا } أي : الثلاثة لأهلِ القرية : { إِنا إِليكم مُرْسَلُونَ } من عند عيسى ، الذي هو من عند الله . وقيل : كانوا أنبياء من عند الله عزّ وجل أرسلهم إلى قرية ، ويرجحه قول الكفرة : { ما أنتم إِلا بشرٌ مثلُنا } إذ هذه محاورة إنما تقال لمَن ادعى الرسالة ، أي : ما أنتم إلا بشر ، ولا مزية لكم علينا ، { وما أنزلَ الرحمنُ من شيءٍ } أي : وحياً ، { إِن أنتم إِلا تكْذِبون } فيما تدعون من الرسالة . { قالوا ربُّنا يعلمُ إِنا إِليكم لمرسَلون } أكَّد الثاني باللام دون الأول لأن الأول مجرد إخبار ، والثاني جواب عن إنكار ، فيحتاج إلى زيادة تأكيد . و { ربنا يعلم } جارٍ مجرى القسم في التأكيد ، وكذلك قولهم : شَهِد الله ، وعَلِمَ اللهُ . { وما علينا إِلا البلاغُ المبينُ } أي : التبليغ الظاهر ، المكشوف بالآيات الظاهرة الشاهدة بصحته . { قالوا إِنا تَطَيَّرْنا بكم } تشاءمنا بكم . وذلك أنهم كرهوا دينهم ، ونفرت منه نفوسهم . وعادة الجهّال أن يتيمّنوا بكل شيء مالوا إليه ، وَقَبِلَتْهُ طباعُهم ، ويتشاءموا بما نفروا عنه ، وكرهوه ، فإن أصابهم بلاء ، أو نعمة ، قالوا : بشؤم هذا ، وبركة ذلك . وقيل : حبس عنهم المطر ، فقالوا ذلك . وقيل : ظهر فيهم الجذام ، وقيل : اختلفت كلماتهم . ثم قالوا لهم : { لئن لم تَنْتَهوا } عن مقالتكم هذه { لَنَرْجُمَنَّكُم } لنقتلنكم بالحجارة ، أو : لنطردنّكم ، أو : لنشتمنكم ، { وَلَيَمَسَّنكم منا عذابٌ أليم } وليصيبنّكم منا عذاب الحريق ، وهو أشد العذاب . { قالوا } أي : الرسل { طائِرُكُم } سبب شؤمكم { معكم } وهو الكفر ، { أَئِن ذُكِّرتُم } أي : وُعظتم ، ودُعيتم إلى الإسلام تطيّرتم ، وقلتم ما قلتم ، { بل أنتم قوم مُّسْرِفُون } مجاوزون الحد في العصيان ، فمن ثَمَّ أتاكم الشؤم ، لا من قِبَلِ الرسل . أو : بل أنتم قوم مسرفون في ضلالكم وغيّكم ، حيث تتشاءمون بمَن يجب التبرُّك به من رسل الله عليهم الصلاة والسلام . الإشارة : إذا أرسل الله إلى قلب وليٍّ وارداً أولاً ، ثم شكّ فيه ، وَدَفَعَهُ ، ثم أرسل ثانياً وَدَفَعَه ، ثم عزّزه بثالث ، وجب تصديقه والعمل بما يقول ، وإلا وقع في العنت وسوء الأدب لأن القلب إذا صفى من الأكدار لا يتجلّى فيه إلا الحق ، وإلا وجب اتهامه ، حتى يتبين وجهه . وباقي الآية فيه تسلية لمن قُوبل بالتكذيب من الأولياء والصالحين . وبالله التوفيق . ثم ذكر القصة ، فقال : { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ … }