Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 33-36)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " وآية لهم " : مبتدأ ، وجملة " الأرضُ الميتة " : خبر . يقول الحق جلّ جلاله : { وآية لهم الأرضُ الميتةُ أحييناها } أي : وعلامة لهم تدلُّ على أن الله يبعثُ الموتى ، ويُحضرهم للحساب ، إحياءُ الأرض اليابسة بالمطر ، فاهتزت وربت بالنبات . { وأخرجنا منها حَبّاً } جنس الحب ، { فمنه يأكلون } هم وأنعامهم . وقدَّم الظرف ليدل على أن الحبّ هو الشيء الذي يتعلق به معظمُ العيش ، ويقوم ، بالارتفاق به ، صلاحُ الإنسان ، إذا قلَّ جاء القحط ، ووقع الضرّ ، وإذا فُقد حضر الهلاك ، ونزل البلاء . { وجعلنا فيها } في الأرض { جناتٍ } بساتين { من نخيلٍ وأعنابٍ ، وفجَّرنا فيها من العُيُون } ، " من " : زائدة عند الأخفش ، وعند غيره : المفعول : محذوف ، أي : ما تتمتعون به من العيون . { ليأكلوا من ثَمره } أي : من ثمر الله ، أي : ليأكلوا مما خلق الله تعالى من الثمر ، أو : من ثَمَرة ، يخلقها الله من ذلك ، على قراءة الأخوين . { وما عملته أيديهم } أي : ومما عملته أيديهم من الغرس ، والسقي ، والتلقيح ، وغير ذلك ، مما تتوقف عليه في عالم الحكمة ، إلى أن يبلغ الثمر منتهاه . يعني : أن الثمر في نفسه فعل الله ، وفيه آثارٌ من عمل ابن آدم ، حكمةً ، وتغطيةً لأسرار الربوبية . وأصله : من ثمرنا ، كما قال : { وجعلنا } { وفجرنا } ، فالتفت إلى الغيبة . ويجوز أن يرجع الضميرُ إلى النخيل ، ويترك الأعناب غير مرجوع إليها لأنه عُلم أنها في حكم النخيل . وقيل : " ما " نافية ، على أن الثمرة خلق الله ، ولم تعمله أيدي الناس ، ولا يقدرون عليه . { أفلا يشكرون } الله على هذه النعم الجسيمة ، وهو حثّ على الشُكر . { سبحانَ الذي خلق الأزواجَ } الأصناف { كُلَّها مما تُنبتُ الأرضُ } من النخيل ، والشجر ، والزرع ، والثمار ، كيف جعلها مختلفة في الطعوم ، والروائح ، والشكل ، والهيئة ، واختلاف أوراق الأشجار ، وفنون أغصانها ، وأصناف نورها وأزهارها ، واختلاف أشكال ثمارها ، في تفرُّدها واجتماعها ، مع ما بسط فيها من الطبائع الأربع : من الحرورة ، والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة ، وما فيها من المنافع المتنوعة . { ومن أنفسِهم } الأولاد ذكوراً وإناثاً ، { ومما لا يعلمون } من أصنافٍ لم يُطلعهم الله عليها ، ولم يتوصَّلوا إلى معرفتها ، ففي البحار عجائب لا يعلمها الناس . قال تعالى : { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 8 ] . وفائدة التنزيه : نفي تشبيه الذات بشيء من هذه الأزواج . والله تعالى أعلم . قال القشيري : والعَجَبُ مِمَّن يُنكر أصول الدين ، ويقول : ليس في الكتاب عليه دليل ، وأكثر ما في القرآن من الآيات تدل على سبيل الاستدلال ، ولكن يَهْدِي لنوره مَن يشاء ، ولو أنهم أنصفوا واشتغلوا بأهم شيءٍ لهم ما ضيَّعوا أصول الدين ، ورضوا فيها بالتقليد ، وادَّعَوْا في الفروع رتبة الإمامة والتصدير ، وفي معناها قيل : @ يا مَنْ تصدَّرَ في دَسْتِ الإمامة من مسائل الفقه إمْلاءً وتدْريسا غَفَلْتَ عن حججِ التوحيد تُحْكِمُها شيَّدتَ فرعاً وما مَهَّدتَ تأسيسا @@ قلت : وحاصله : مدح علم الأصول وترك علم أصل الأصل ، وهو علم التوحيد الخاص ، أعني الشهود والعيان . وقد قلتُ في ذلك : تذليلاً : @ يا مَنْ تصدّى لعلم الأصل يُحكمه قد فاتك الذوق بالوجدان مستأنسا @@ الإشارة : وآية لهم النفس الميتة بالجهل أحييناها بالعلم ، وأخرجنا منها علماً لَدُنيًّا ، فمنه تتقوّت القلوب والأرواح ، وجعلنا فيها جناتِ المعارف ، من نخيل الحقائق ، وأعناب الشرائع ، وفجَّرنا فيها من عيون الحِكَم ، ليأكلوا من ثمره ، ومما عملته أيديهم ، من المجاهدات والمكابدات ، فإنها تُثمر المشاهدات . سبحان الذي خلق الأزواج كلها من الأحوال ، والمقامات ، والعلوم ، والمعارف ، مما يُستخرج من النفوس والأرواح ، ومما لا يعلمه إلا الله . ثم ذكر برهاناً آخر ، فقال : { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ … }