Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 88-98)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { فَنَظَر } إبراهيم { نظرةً في النجوم } وذلك أن قومه كانوا يتعاطون علم النجوم ، فعاملهم بما يعلمون لئلا ينكروا عليه تخلُّفه . وكانوا يقولون : إذا طلع سهيل مقابل الزهرة سَقِمَ مَن نظر إليه ، فاعتلّ عليهم لأنه نظر إليه ليتركوه . وذلك أنه كان لهم من الغد عيد ومجمع ، وكانوا يدخلون على أصنامهم ، فيقربون إليها القرابين ، ويضعون بين أيديها الطعام ، قبل خروجهم إلى عيدهم ، لتبارك عليه ، فإذا قَدِمُوا أكلوه . فلما نظر إلى النجوم ، قال : { إِني سقيمٌ } إني مشارف للسقم وهو الطاعون ، وكان أغلب الأسقام عليهم ، وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه ، فهربوا منه إلى عيدهم ، وتركوه في بيت الأصنام ، ليس معه أحد ، ففعل بالأصنام ما فعل . قيل : إن علم النجوم كان حقًّا ثم نُسخ الاشتغال به . والكذب حرام إلا إذا عرّض . والذي قاله إبراهيم عليه السلام مِعْراض من الكلام ، أي : سأسقم ، أو : مَنْ في عنقه الموت سقيم ، أو : سقيم مما أرى من مخالفتكم وعبادتكم الأصنام . وعلى كل حال لم يلم إبراهيمُ بشيء من الكذب ، وإنما عرّض . وأيضاً : إنما كان لمصلحة ، وقد أُبيح لها ، كالجهاد ونحوه . وفي الحديث : " ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، ما منها واحدة إلا وهو يناضل عن دينه قوله : { إِني سقيم } ، وقوله : { فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ } [ الأنبياء : 63 ] ، وقوله لسارة : هي أختي " . قال السدي : خرج معهم إلى بعض الطريق ، فوقع في نفسه كيده آلهتهم ، فقال : إني سقيم أشتكي رجلي . { فتولوا عنه مدبرين } أعرضوا عنه مولين الأدبار ، { فراغَ إِلى آلهتهم } فمال إليها سرًّا ، وكانت اثنين وسبعين صنماً من خشب ، وحديد ، ورصاص ، ونحاس ، وفضة ، وذهب ، وكان كبيرهم من ذهب ، في عنقه ياقوتتان ، { فقال } لها ، استهزاء : { ألا تأكلون } من الطعام الذي وُضع عندكم ، { ما لكم لا تنطقون } ؟ والجمع بالواو والنون لأنه خاطبها خطاب مَن يعقل . { فَرَاغَ عليهم } فمال إليهم سرًّا ، فضربهم { ضرباً باليمين } أي : ضرباً شديداً بالقوة لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدّهما ، أو : بالقوة والمتانة ، أو : بسبب الحلف الذي سبق منه بقوله : { وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم } [ الأنبياء : 57 ] . { فأقبلوا إِليه } إلى إبراهيم { يَزِفُّونَ } : يسرعون ، من : الزفيف ، وهو الإسراع . وكان قد رآه بعضهم يكسرها . فأخبرهم ، فلما جاء مَن لم يره قال لمَن رآه : { مَن فَعَلَ هَذَا بِئَالِهَتِنَآ } [ الأنبياء : 59 ] فأجابوه على سبيل التعريض : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [ الأنبياء : 60 ] ، ثم قالوا بأجمعهم : نحن نعبدها وأنت تكسرها ؟ فأجابهم بقوله : { قال أتعبدون ما تنحتون } : ما تنجزونه بأيديكم من الأصنام ؟ { واللهُ خلقكم وما تعملون } أي : وخلق ما تعملونه من الأصنام : أو : " ما " مصدرية ، أي : وخلق أعمالكم . وهو دليلنا في خلق الأفعال لله تعالى ، أي : الله خالقكم وخالق أعمالكم ، فلِمَ تعبدون غيره ؟ ! . { قالوا ابْنُوا له } أي : لأجله { بُنياناً } من الحجر ، طوله ثلاثون ذراعاً ، وعرضه عشرون ذراعاً ، { فَأَلْقُوه في الجحيم } في النار الشديدة ، وقيل : كل نار بعضها فوق بعض فهو جحيم . فبنوه وملؤوه حطباً ، وأضرموه ناراً ، { فأَرادوا به كيداً } بإلقائه في النار ، { فجعلناهم الأسفلين } المقهورين عند إلقائه ، حين خرج من النار سالماً ، فعلاهم بالحُجة والنصرة . قيل : ذكر أسفل : هنا لمناسبة ذكر البناء ، بخلاف سورة الأنبياء . { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ } [ الأنبياء : 70 ] . الإشارة : كلُّ عبدٍ مأمور بكسر صنمه ، وهو : ما تَرْكَنُ إليه نفسُه من حظٍّ ، أو هوىً ، أو علم ، أو عمل ، أو حال ، أو مقام . وفي الإشارات عن الله تعالى : لا تركنن لشيء دوننا ، فإنه وبال عليك ، وقاتلٌ لك ، فإن ركنتَ إلى العلم تتبعناه عليك ، وإن أويتَ إلى العمل رددناه إليك ، وإن وثقت بالحال وقفناك معه ، وإن أنست بالوجد استدرجناك فيه ، وإن لحظت إلى الخلق وكلناك إليهم ، وإن اعتززت بالمعرفة نكرناها عليك ، فأيّ حيلة لك ، وأيّ قوة معك ؟ فارضنَا لك ربًّا حتى نرضاك لنا عبداً . هـ . ولا بأس أن يتعلّل لنفسه ، ويحتال عليه بحيل ، كما تعلّل الخليل للقعود لكسر الأصنام ، لعلها تُوافقه على ترك ما تهواه وتركن إليه ، كما قال القائل : @ فاحتلْ على النفس فرُبّ حيله أنفع في النصرة من قبيله @@ ثم ذكر هجرة إبراهيم وما امتحن به ، فقال : { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي … } .