Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 30-33)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { ووهبنا لداودَ سليمانَ نِعْمَ العبدُ } أي : سليمان ، فهو المخصوص ، { إِنه أوابٌ } أي : رجَّاع إلى الله تعالى في السرّاء والضراء ، وفي كل أموره ، { إِذ عُرِضَ عليه } أي : واذكر ما صدر عنه حين عُرض عليه { بالعشِيّ } وهو ما بين الظهر إلى آخر النهار ، { الصافناتُ الجياد } أي : الخيل الصافنات ، وهي التي تقوم على طرف سنبك يدٍ أو رِجل . وهي من الصفات المحمودة ، لا تكاد توجد إلا في الخيل العِراب ، الخُلَّص . وقيل : هو الذي يجمع يديه ويستبق بهما ، والجياد : جمع جواد ، أو : جود ، وهو الذي يسرع في جريه ، أو : الذي يجود عند الركض ، وقيل : وصفت بالصفون والجودة لبيان جمعها بين الوصفين المحمودين ، واقفة وجارية ، أي : إذا وقفت كانت ساكنة ، وإذا جرت كانت سِراعاً خفافاً في جريها . رُوي أنه عليه السلام غزا أهل دمشق ونصيبين ، وأصاب ألف فرس ، وقيل : أصابها أبوه من العمالقة ، وورثها منه ، وفيه نظر فإن الأنبياء لا يورثون ، إلا أن يكون تركها حبساً ، فورث النظر فيها . ويكون عقرها بنية إبدالها . وقيل : خرجت من البحر لها أجنحة ، فقعد يوماً بعدما صلّى الظهر على كرسيه ، فاستعرضها ، فلم تزل تُعرض عليه حتى غربت الشمس ، وغفل عن العصر ، أو : عن الوِرد ، كان له من الذكْر وقتئذ ، وهو أليق بالعصمة ، فاغتم لِما فاته ، فاستردها ، فعقرها ، تقرُّباً إلى الله تعالى ، وبقي مائة ، فما في أيدي الناس اليوم مِن الجياد فمِن نسلها . وقيل : لَمَّا عقرها أبدل الله تعالى له خيراً منها ، وهي الريح تجري بأمره ، { فقال إِني أحببتُ حُبَّ الخيرِ عن ذكر ربي } ، قاله عليه السلام عند غروب الشمس ، اعترافاً بما صدر عنه من الاشتغال بها عن الصلاة أو الذكر ، وغايته حينئذ : أن الأَوْلى استغراق الأوقات في ذكر الله من الاشتغال بالدنيا . فترَكَ الأَوْلى ، وتحسّر لذلك ، وأمر بالقطع . وأما حمله على الصلاة والاشتغال بها حتى يفوت الوقت ، فذنب عظيم ، تأباه العصمة . قاله شيخ شيوخنا الفاسي . وقد يُجاب بأنَّ تركه كان نسياناُ وذهولاً ، لا عمداً ، فلا معصية . وعدّى " أحببتُ " بـ " عن " دون " على " لتضمنه معنى النيابة ، أي : أَنَبْتُ حبَّ الخير ، وهو المال الكثير ، والمراد : الخيل التي شغلته عن ذكر ربه ، { حتى توارتْ } أي : استترت { بالحجابِ } أي : غربت واحتجبت عن العيون ، و " عن " : متعلق بأحببت ، باعتبار استمرار المحبة ودوامها . حسب استمرار العَرض ، أي : أنبتُ حب الخير عن ذكر ربي ، واستمر ذلك حتى غربت الشمس . وإضمارها من غير تقدُّم ذكر لدلالة " العَشي " عليها . { رُدُّوها عليَّ } ، هو من مقالة سليمان ، { فطَفِقَ مسْحاً } ، الفاء فصيحة ، مفصحة عن جملة حُذفت ، لدلالة الكلام عليها ، إيذاناً بسرعة الامتثال ، أي : فَردُّوها عليه ، فأخذ بمسح السيف مسحاً { بالسُّوقِ والأعناقِ } أي : بسوقها وأعناقها يقطعها ، من قولهم : مسح عنقه بالسيف ، وقيل : جعل يمسح بيده أعناقها وسوقها ، حبّاً لها ، وإعجاباً بها ، وهو يُنافي سياق الكلام . الإشارة : لم يذكر الحق تعالى لسليمان ترجمة مخصوصة ، كما ذكر لغيره بقوله : { واذكر عبدنا داود } ، { واذكر عبدنا أيوب } ، بل خرطه في سلك ترجمة أبيه ، وجعله هبة له تنبيهاً على أن مقام أهل الجمال الدنيوي ، لا يبلغ مقام أهل الجلال ففيه تنبيه على أن الفقير الصابر أعظم من الغني الشاكر . قاله في القوت . وقوله تعالى : { فَطَفِقَ مَسْحاً بالسُوق } ، فيه : أن مَن ترك شيئاً عوَّضه الله خيراً منه ، فمَن كان في الله تلفه ، كان على الله خلفه ، وفيه حجة للصوفية على إتلاف كل ما شغل القلب عن الله ، كما فعل الشبلي من تمزيق الثياب الرفهة . والله تعالى أعلم . ثم ذكر امتحانه فقال : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ } .