Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 41-44)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { واذكر عبدنَا أيوبَ } ، وهو ابن عيصو بن إسحاق عليه السلام ، أي : من ذريته لأنه بعد يوسف ، وامرأته : رحمة بنت إفراثيم بن يوسف . { إِذ نادى ربَّه } ، وهو بدل اشتمال من " عبدنا " . و " أيوب " : عطف له ، { أَنِّي } أي : بأني { مسني الشيطان بنُصْبٍ } أي : تعب ، وفيه قراءات بفتحتين ، وبضمتين ، وبضم وسكون ، وبنصب وسكون . { وعذابٍ } أي : ألم ، يريد ما كان يقاسيه من فنون الشدائد ، وهو الضر في قوله : { مَسَّنِىَ الضُّرُّ } [ الأنبياء : 83 ] ، وهو حكاية لكلامه الذي ناداه به ، وإلا لقيل : إنه مسّه . وإسناده إلى الشيطان على طريق الأدب في إسناد ما كان فيه كمال إلى الله تعالى ، وما كان فيه نقص إلى الشيطان أو غيره ، كقول الخليل : { وَإِذَا مَرِضْتُ } [ الشعراء : 80 ] ولم يقل : أمرضني . وكقول يوشع عليه السلام : { وَمَآ أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ } [ الكهف : 63 ] . وفي الحقيقة : كلٌّ من عند الله . وقيل : أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه ، من تعظيم ما نزل به من البلاء ، ويغريه على الكراهة والجزع ، فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك ، بكشف البلاء ، أو بدفعه وردّه بالصبر الجميل . ورُوي : أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين ، فارتدّ أحدهم ، فسأل عنه ، فقيل : ألقى إليه الشيطان : أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين ، فشكا ذلك إلى ربه . وذكر في سبب بلائه أنه ذبح شاة فأكلها ، وجاره جائع ، أو : رأى منكراً فسكت عنه ، أو : استغاثه مظلوم فلم يغثه ، أو : كانت مواشيه في ناحية ملك كافر ، فداهنه ، فلم يغزه ، أو : سؤاله امتحاناً لصبره ، أي : هل يصبر أم لا ، أو : ابتلاه لرفع درجاته بلا سبب ، وهو أولى . { اركُضْ برِجْلِكَ } ، حكاية ما أجيب به أيوب عليه السلام ، أي : أرسلنا له جبريل عليه السلام بعد انتهاء مدة مرضه ، فقال له : اركض ، أي : اضرب برجلك الأرض ، وهي أرض موضع بالجابية ، فضربها ، فنبعت عين ، فقيل : { هذا مُغتَسَل باردٌ وشَرابٌ } أي : هذا ما تغتسل منه ، وتشرب منه ، فيبرأ ظاهرك وباطنك ، وقيل : نبعت له عينان حارة للاغتسال ، وباردة للشرب ، فاغتسل من إحداهما ، فبرىء ما في ظاهره ، وشرب من الأخرى ، فبرىء ما في باطنه ، بإذن الله تعالى . ومدة مرضه قيل : ثمان عشرة سنة ، وقيل : أربعين ، وقيل : سبع سنين ، وسبعة أشهر ، وسبعة أيام ، وسبع ساعات . { ووهبنا له أهلَه ومثلَهم معهم } ، قيل : أحياهم الله بأعيانهم ، وزاد مثلهم ، وقيل : جمعهم بعد تفرُّقهم ، وقيل : أعطاه أمثالهم وزاده ضِعفهم . قال القشيري : وكان له سبع بنات . وثلاثة بنين ، في مكتب واحد ، فحرّك الشيطانُ الأسطوانةَ ، فانهدم البيت عليهم . هـ . ولم يذكر كم كان له من الزوجات ، فقد سلمت منهن " رحمة " ، وهلك الباقي . أعطيناه ذلك { رحمةً منا } أي : رحمة عظيمة علية من قِبلنا . { وذِكْرى لأُولي الألبابِ } أي : ولنذكرهم بذلك ليصبروا على الشدائد ، ويلتجئوا إلى الله فيما ينزل بهم لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه ، لِصبره ، رغَّبهم في الصبر على البلاء . ولمّا حلف : لَيَضْربنَّ امرأته مائةَ ضربة ، حيث أبطأت عليه في حاجتها . وقيل : باعت ذوائبها واشترت به رغيفين ، وكانت متعلق أيوب . وقيل : طمع الشيطان فيها أن يسجد زوجُها له فيشفيه ، أمره الله تعالى ببر يمينه ، فقال : { وخُذْ بيدك ضِغْثاً } حُزمة صغيرة من حشيش أو رَيحان ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : قبضة من الشجر ، { فاضرِبْ به ولا تَحْنَثْ } ، وهذه الرخصة باقية عند الشافعي وأبي حنيفة ، خلافاً لمالك لأن الأَيْمَان عنده مبنية على الأعراف . قال تعالى : { إِنَّا وجدناه } علمناه { صابراً } على البلاء ، وأما شكواه فليست جزعاً ، بل رجوعاً إلى مولاه ، على أنه عليه السلام إنما طلب الشفاء خيفة على قومه ، حيث كان الشيطانُ يوسوس إليهم : لو كان نبيّاً لما ابتلي بمثل ما ابتلي به ، وإرادة القوة على الطاعة ، فقد بلغ أمره إلى أن لم يبقَ منه إلا القلب واللسان . قلت : طلب الشفاء لا ينافي الرضا لأن العبد ضعيف ، لا قوة له على قهرية الحق . ثم قال تعالى : { نِعْمَ العبدُ إِنه أوَّابٌ } رجَّاع إلى الله تعالى . قال القشيري : لم يشغله البلاء عن المُبْلِي . وهو تعليل لمرضه . الإشارة : كثير من الصوفية اختاروا البلاء على العافية ، وبعضهم اختار العافية ، قال عليّ رضي الله عنه : لأَن أُعطَى فأَشكر أحبُّ إِليَّ من أن أُبتلى فأَصبرِ ، أي : لأنه طريق السلامة ، وبه وردت الأحاديث ، والأولى للعبد ألا يختار مع سيده شيئاً ، بل يكون مفوضاً مستسلماً ، يتلقى ما يرد عليه بالترحيب ، أيّ شيء كان . وبالله التوفيق . ثم ذكر إبراهيم وبنيه ، فقال : { وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } .