Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 45-47)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { واذكر عبادنا } ، وقرأ المكي : " عبدنا " ، إما على إرادة الخبر ، وإما أن يريد " إبراهيم " وحده لشرفه ، ثم عطف عليه من بعده ، ثم بيَّنهم بقوله : { إِبراهيمَ وإِسحاقَ ويعقوبَ أُولي الأيدي والأبصارِ } أي : أُولي القوة في الطاعة والبصيرة في الدين ، أو : أُولي الأعمال الجليلة ، والعلوم الشريفة . فعبَّر بالأيدي عن الأعمال لأن أكثرها تُباشر بها ، وبالأبصار عن المعارف لأنها أقوى مبادئها . وفيه تعريض بالجهلة الباطلين ، كأنهم كالزّمنى والعماة ، وتوبيخ على ترك المجاهدة والفكرة مع تمكنهم منهما . { إِنا أخلصناهم بخالصةٍ } أي : جعلناهم خالصين لنا بخصلة عظيمة الشأن ، لا شوب فيها ، هي { ذِكْرَى الدَّارِ } أي : تذكر للدار الآخرة على الدوام ، فإنَّ خلوصهم في الطاعة بسبب تذكرهم لها ، وذلك لأن مطمح أنظارهم ، ومسرح أفكارهم ، في كل ما يأتون وما يذرون ، جوار الله عزّ وجل ، والفوز بلقائه ، ولا يتأتى ذلك على الدوام إلا في الآخرة ، فمطلبهم إنما هو الجوار والرؤية . لا مجرد الحضور في تلك الدار ، كما قال ابن الفارض رضي الله عنه : @ ليسَ سُؤلي من الجِنَان نَعيماً غيرَ أَنِّي أريدُها لأراكَ @@ قال ابن عطية : يحتمل أن يكون معنى الآية : { إِنا أخلصناهم } بأن خلص لهم التذكير بالدار الآخرة ، ودعاء الناس إليها ، أي : وتزهيدهم في الدنيا ، كما هو دَيدن الأنبياء والرسل . وهذا قول قتادة ، أو : إنا أخلصناهم بأن خلص لهم ذكرهم للدار الآخرة وخوفهم والعمل بحسب ذلك . وهذا قول مجاهد . هـ . قلت : مرتبة الرسل تنافي العمل لحرف ، فإنَّ أولياء هذه الأمة تحرّروا من العمل للحرف ، بل عبدوا الله شكراً ومحبة وعبودية ، لا طمعاً في شيء ، فكيف بأكابر الرسل . وإطلاق الدار للإشعار بأنها الدار في الحقيقة ، وإنما الدنيا معبر إليها . ومَن قرأ بالإضافة ، فمن إضافة الشيء إلى ما بيَّنَهُ لأن الخالصة تكون ذكرى وغير ذكرى ، و " ذكرى " : مصدر مضاف إلى المفعول ، أي : بإخلاصهم ذكرى الدار . وقيل : خالصة بمعنى خلوص ، وهي مضافة إلى الفاعل ، أي : بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بشيء آخر ، إنما همّهم ذكرى الدار الآخرة لجوار الحبيب . { وإِنهم عندنا لمن المصْطَفَيْنَ } المختارين من بين أبناء جنسهم { الأخْيارِ } : جمع خيّر ، أو : خيْر ، على التخفيف ، كأموات جمع ميّت ، أو : ميْت . الإشارة : أولياء هذه الأمة أي : العارفون بالله يزاحمون الأنبياء والرسل في جلّ المراتب ، قال صلى الله عليه وسلم : " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " أي : العلماء بالله فإنهم لم يقفوا مع دنيا ولا مع آخرة ، بل حطُّوا هممهم على الله ، ولم يقصدوا شيئاً سواه ، خلعوا النعلين عن الكونين ، وركضوا إلى المكوِّن ، وكانت لهم اليد الطولى في عمل الطاعات عبوديةً ، والبصيرة النافذة في مشاهدة الربوبية ، هذه طريقهم ، وهذا مذهبهم ، ومَن حاد منهم عن هذا لم يعدّوه منهم . جعلنا الله ممن خرط في سلكهم . ثم ذكر بقية بنيه ، فقال : { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ } .