Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 55-64)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : هذا خبر ، أي : الأمر هذا ، أو : مبتدأ أي : هذا كما ذكر ، وهو من الاقتضاب الذي يقرب من التخلص ، كقوله بعد الحمد : أما بعد . قال السعد : هو من فصل الخطاب ، الذي هو أحسن موقعاً من التخلُّص . قال : وقد يكون الخبر مذكوراً كقوله : { هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ … } [ ص : 49 ] هـ . قال الطيبي : هو من فصل الخطاب ، على التقدير الأول ، لا الثاني . هـ . أي : إذا كان خبراً عن مضمر ، لا ما إذا ذكر الخبر . يقول الحق جلّ جلاله : { هذا } أي : الأمر هذا ، { وإِنَّ للطاغين لشرَّ مآبٍ } مرجع { جهنَّمَ يصلونها } يدخلونها ، حال من جهنم ، { فبئس المِهادُ } : الفراش ، شبّه ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفرش للنائم ، والمخصوص محذوف ، أي : جهنم . { هذا فليذوقوه } أي : ليذوقوا هذا فليذوقوه ، كقوله تعالى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [ البقرة : 40 ] أو : العذاب هذا فليذوقوه ، وهو { حميمٌ وغسَّاق } … الخ ، أو : { هذا } : مبتدأ ، و { حميم وغساق } : خبر ، وما بينهما اعتراض ، والغساق : ما يَغسَق ، أي : يسيل من صديد أهل النار ، يقال : غَسَقت العين إذا سال دمعها . وقيل : الحميم يحرق بحرّه ، والغساق يحرق ببرده . قيل : " لو قطرت منه قطرة بالمشرق لأنتنت أهل المغرب ، ولو قطرت بالمغرب لأنتنت أهل المشرق " وقيل : الغساق : عذاب لا يعلمه إلا الله . وهو بالتخفيف والتشديد ، قرىء بهما . { وآخَرُ } أي : وعذاب آخر ، أو : مذوق آخر ، { من شَكْلِه } من مثل العذاب المذكور . وقرأ البصري : " أُخَرُ " بالجمع ، أي : ومذوقات أُخَرُ من شكل هذا العذاب في الشدّة والفظاظة ، { أزواجٌ } أي : أصناف ، وهو خبر لأخر ، أو : صفة له ، أو : للثلاثة . { هذا فوج مُّقْتَحِمٌ معكم } ، حكاية لِمَا يقوله الخزنة للطاغين إذا دخلوا النار ، واقتحمها معهم فوج كانوا يتبعونهم في الكفر والضلالة . والاقتحام : الدخول في الشيء بشدة ، أو : من كلام الطاغين بعضهم من بعض . { لا مرحباً بهم } ، هو من تمام كلام الخزنة ، على الأول ، أو : من كلام الطاغين ، دعاء منهم على أتباعهم . يُقال لمَن يدعو له أو يفرح به . مرحباً ، أي : وجدت مكاناً رَحْباً ، لا ضيقاً ، ثم تدخل عليه النفي في دعاء السوء ، فتقول : لا مرحباً . و " بهم " : بيان للمدعو عليهم ، { إِنهم صالُوا النارِ } أي : داخلوها . وهو تعليل لاستحقاقهم الدعاء عليهم . وقيل : { هذا فوج … } إلخ ، من كلام الخزنة لرؤساء الكفرة . و { لا مرحباً بهم … } الخ ، من كلام الرؤساء . { قالوا } أي : الأتباع ، { بل أنتم لا مرحباً بكم } أي : الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحقّ به ، وعلّلوا ذلك بقوله : { أنتم قدمتموه لنا } أي : إنكم دعوتمونا للكفر ، فتبعناكم ، فقدمتمونا به للعذاب ، { فبئس القرارُ } أي : بئس المقر جهنم ، قصدوا بذمها تغليظ جناية الرؤساء عليهم . { قالوا } أي : الأتباع ، معرَّضين عن خصومتهم ، متوجهين إلى الله : { ربَّنا مَن قدَّم لنا هذا فزِدْهُ عذاباً ضعفاً } أي : مضاعفاً . { في النار } أو : ذا ضعف ، ومثله قوله : { رَبَّنَا هَؤُلآَءِ أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً } [ الأعراف : 38 ] ، وهو أن يزيد على عذابه مثله . { وقالوا } أي : الرؤساء : { ما لنا لا نرى رجالاً } ، يعنون : فقراء المسلمين ، { كنا نَعُدُّهُم } في الدنيا { من الأشرار } من الأرذال الذين لا خير فيهم ولا جدوى ، حيث كانوا يسترذلونهم ويسخرون منهم ، { أتَّخذناهم سِخْرِيّاً } ، بهمزة الاستفهام ، سقطت لأجلها همزة الوصل . والجملة : استئنافية ، ومَن قرأ بالوصل فقط فالجملة : صفة ثانية لرجال ، { أم زاغتْ } مالت { عنهم الأبصارُ } ، والمعنى على الاستفهام : أتخذناهم سخرياً وليسوا كذلك ، فلم يدخلوا معنا النار فهم في الجنة ، أم دخلوها معنا ، ولكن مالت عنهم أبصارنا ، فلا نراهم معنا ؟ وعلى الاستخبار : ما لنا لا نرى رجالاً معنا في النار ، كانوا عندنا أشراراً ، قد اتخذناهم سخرياً نسخر بهم ، ثم أضربوا وقالوا : بل زاغت عنهم الأبصار ، فلا نراهم فيها ، وإن كانوا معنا ، أو : زاغت أبصارنا ، وكلَّت أفهامنا عنهم ، حتى خفي علينا مقامهم ، وأنهم على الحق ونحن على الباطل ، وما تبعناهم . ومَن قرأ " سُخريا " بالضم فمن : التسخير والاستخدام . ومَن قرأ بالكسر ، فمن : السخر ، الذي هو الهزء . وجَوز في القاموس الضم والكسر فيهما معاً ، فراجعه . { إِن ذلك } الذي حكى من أحوالهم { لَحَقٌّ } لا بد من وقوعه ألْبتة ، وهو { تخاصمُ أهلِ النار } فيها على ما تقدّم . ولمّا شبَّه تفاوضهم ، وما يجري بينهم من السؤال والجواب ، بما يجري بين المتخاصمين ، سمَّاه تخاصماً ، وبأنَّ قول الرؤساء : { لا مرحباً } وقول الأتباع : { بل أنتم لا مرحباً بكم } من باب الخصومة لا محالة ، فسمي التقاول كله تخاصماً لاشتماله على ذلك . الإشارة : كل مَن تعدى وطغى ، ولم يتب ، من المؤمنين ، يرى شيئاً من أهوال الكفرة ، فلا يدخل الجنة حتى يتخلص ، وكل مَن سخر بالفقراء يسقط في الحضيض الأسفل ، ويكون سكناه في أسفل الجنة ، فيقول : ما لنا لا نرى معنا رجالاً كنا نَعُدُّهم من المبتدعة الأشرار ، أتخذناهم سخرياً ، وهم كُبراء عند الله ، رُفعوا عنه ، أم هم معنا ولكن زاغت عنهم الأبصار ؟ فيُجابون : بأنهم رُفعوا مع المقربين ، كانوا مشتغلين بنا ، وكنتم منهم تضحكون . إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون بالقُرب ومشاهدة طلعتنا ، في كل حين ، وبالله التوفيق . ثم قرّر تحقيق الرسالة والوحدانية ، فقال : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } .