Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 65-70)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { قُلْ } يا محمد للمشركين : { إِنما أنا مُنذِر } من جهته تعالى ، أُنذركم عذابه ، { وما من إِلهٍ } في الوجود { إِلا اللهُ الواحدُ } الذي لا يقبل الشركة أصلاً ، { القهَّارُ } لكل شيء سواه ، { ربُّ السماواتِ والأرضِ وما بينهما } من المخلوقات ، فكيف يتوهم أن يكون له شريك منها ، { العزيزُ } الذي لا يغلب { الغفارُ } المبالغ في المغفرة لمَن يشاء . وفي هذه النعوت من تقرير التوحيد ، والوعد للموحِّدين ، والوعيد للمشركين ، ما لا يخفى . وتثنية ما يُشعر بالوعيد من وصف القهر والعزة وتقديمهما على وصف المغفرة لتقوية الإنذار . { قل هو } أي : ما نبأتكم به من كوني رسولاً ، وأنَّ الله واحد لا شريك له ، { نبأٌ عظيمٌ } وارد من جهته تعالى ، لا يُعرِض عن مثله إلا غافل منهمك . { أنتم عنه معرضون } غافلون ، وعن ابن عباس : النبأ العظيم : القرآن . وعن الحسن : يوم القيامة . وتكرير الأمر للإيذان بأن المقول أمرٌ جليل ، له شأن خطير ، لا بد من الاعتناء به ، أمراً وائتماراً . { ما كان لِيَ من عِلْم بالملأِ الأعلى إِذْ يختصمون } ، احتجاج على صحة نبوته ، بأن ما ينبىء به عن الملأ الأعلى ، واختصامهم ، أمر غيبي ، لم يكن له به علم قطّ ، ثم علمه وأخبر به ، ولم يسلك الطريق الذي سلكه الناس في علم ما لم يعلموا ، وهو الأخذ عن أهل العلم ، ودراسة الكتب ، فتحقق أن ذلك لم يحصل له إلا بالوحي من الله تعالى . والملأ الأعلى هم الملائكة ، وآدم ، وإبليس لأنهم كانوا في السماء ، وكان اختصامهم : التقاول بينهم ، كقولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا … } [ البقرة : 30 ] الخ ، وكقول إبليس : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ … } [ الأعراف : 12 و ص : 76 ] الخ ، ويدل عليه ما يأتي من الآيات . وقيل : اختصامهم في الكفارات وغفران الذنوب ، فإن العبد إذا فعل حسنة اختلفت الملائكة في قدر ثوابه ، حتى يقضي الله ما شاء . ورُوي في هذا حديث ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قال له ربه عزّ وجل في النوم : " أتدري فيما يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : لا ، قال : اختصموا في الكفارات والدرجات ، فأما الكفارات فإسباغ الوضوء على المكاره ، ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، وأما الدرجات فإفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة بالليل والناس نيام " رواه الترمذي . و { إِذ يختصمون } : متعلق بمحذوف يقتضيه المقام إذ المراد نفي علمه عليه الصلاة والسلام بحالهم لا بذواتهم ، والتقدير : ما كان لِيَ فيما سبق علم بما يوحيه في شأن الملأ الأعلى وقت اختصامهم . وانظر أبا السعود . { إِن يُوحَى إِليَّ أَنَّما أنا نذير مبينٌ } أي : ما يُوحى إليَّ ما يوحى من الأمور الغيبية ، التي من جملتها حال الملأ الأعلى ، إلا لأنما أنا نذير مبين من جهته تعالى ، فحذف اللام وانتصب بإيصال الفعل إليه ، ويجوز أن يرتفع بالنيابة عن الفاعل ، أي : ما يوحى إليّ إلا هذا ، وهو أن أُنذر وأُبلّغ ، ولا أُفرط في ذلك ، أي : ما أومرَ إلا بهذا الأمر وحده ، وليس إليَّ غير ذلك . وقرىء بكسر " إنما " على الحكاية ، أي : إلا هذا القول ، وهو : أن أقول لكم : إنما أنا نذير مبين ، ولا أدّعي شيئاً آخر . الإشارة : تربية اليقين تُطلب في ثلاثة أمور في توحيد الألوهية ، بالتبري من الشرك الجلي والخفي . وهو مفاد قوله : { وما من إِله إِلا الله … } الخ . وفي تصديق الواسطة ، وهو النذير المبين ، بتعظيمه واتباع سُنَّته ومنهاجه القويم ، وفي التصديق بما جاء به ، وهو النبأ العظيم ، على أيّ تفسير كان ، إما القرآن ، باتباعه ، والتدبُّر في معانيه ، أو : يوم القيامة ، بالتأهُّب له ، وجعله نُصب العين . وبالله التوفيق . ثم فسَّر الاختصام المتقدم ، فقال : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ } .