Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 45-46)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " وحده " : منصوب عند سيبويه ، على المصدر ، وعند الفراء : على الحال ، والظاهر : أنه أطلق المصدر على اسمه . يقول الحق جلّ جلاله : { وإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ } أي : إذا أُفرد الله بالذكر ، ولم تُذكر معه آلهتهم ، فمدار المعنى على قوله : { وحده } ، { اشْمَأَزَّتْ قلوبُ الذين لا يؤمنون بالآخرة } أي : انقبضت ونفرت ، كقوله : { … وإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً } [ الإسراء : 46 ] ، { وإِذا ذُكر الذين مِن دونه } يعني : آلهتهم ، ذُكر اللهُ معهم ، أو لم يُذكر ، { إِذا هم يستبشرون } لفرط افتتانهم بها ، ونسيانهم ذكر الله ، أو : وإذا قيل لهم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، نفروا لأن فيه نفياً لآلهتهم . وقال الورتجبي : صورة الآية وقعت على الجاحدين والمتكبرين ، الذين ليس في محبتهم إلا متابعة الأشكال والأمثال ، من حيث التشبيه والخيال لأن قلوبهم خلقت على مشاكلة الأضداد والأنداد ، ولم يكن في قلوبهم سجية أهل المعرفة بالله ، فإذا سَمِعُوا ذِكْر مَن لا يدخل في الخيال والمثال انقبضت قلوبهم وصدورهم ، ونفرت ، وإذا سمعوا ذكر غير الله من الصور والأشباح ، سكنت نفوسهم إليها من غاية غباوتهم ، وكمال جهالتهم ، فهم مثل الصبيان ، إذ هم يفرحون بالأفراس الطينية والأُسد الخشبية ، ولا يطيقون أن ينظروا إلى عَدْوِ العاديات ، وإلى الضراغم الباديات … هـ . مختصراً . ولقد بالغ في بيان حالتيهم المتقابلتين حيث ذكر الغاية فيهما ، فإن الاستبشار : هو أن يمتلىء القلب سروراً ، حتى تنبسط له بشرة الوجه وتتهلل ، والاشمئزاز : أن يمتلىء القلب غيظاً وغمّاً ، حتى ينقبض منه أديم الوجه ، فتظهر عليه الكآبة والحزن . والعامل في { إِذا } الأولى : " اشمأزت " ، وفي الثانية : ما هو العامل في " إذا " الفجائية ، والتقدير : وقت ذكر الذين من دونه فاجأوا وقت الاستبشار . ثم أمر نبيه بالالتجاء إليه حين إدبارهم ، فقال : { قُلِ اللهمَّ فاطِرَ السماواتِ والأرضِ } أي : يا فاطر ، وليس بوصف ، خلافاً للفراء والمبرّد ، أي : اللهم يا مظهر السماوات والأرض ، { عالِمَ الغيبِ والشهادةِ } أي : ما غاب من أسرار ذاتك وما ظهر ، أو : السر والعلانية ، أي : التجىء إليه تعالى إذا اغتممت من شدة شكيمتهم في المكابرة والعناد فإنه القادر على الأشياء بجملتها ، والعالم بالأحوال برمتها . { أنت تَحْكُمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون } أي : حُكماً يُسلمه كل مكابر ومعاند ، ويخضع له كلَّ عاتٍ ومارد ، فاحكم بيني وبين معاندي ، بالنصر عليهم في الدنيا والآخرة . وعن ابن المسيّب : " ما أعرفُ آية قرئت فدعى عندها إلا أجيب سوى هذه " . يعني أنه صلى الله عليه وسلم دعا الله أن يحكم بينه وبين عدوه بالاستئصال ، فأمهل لأنه رحمة . وعن الربيع بن خثيم وكان قليل الكلام ـ : أنه أُخبر بقتل الحسين رضي الله عنه ، وقالوا : الآن يتكلم ، فما زاد على أن قال : أَوَقد فعلوا ؟ وقرأ : { اللهم فاطر السماوات والأرض } . … الآية ، ثم قال على إثرها : قُتِل مَن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُجلسه في حجره ، ويُقبِّل فاه . هـ . الإشارة : ينبغي للمؤمن أن يكون متعاكساً مع المشرك ، إذا سمع كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " فرح وانبسط ، وإذا ذكر اللغو واللعب اشمأز وانقبض ، والعابد أو الزاهد إذا سَمِعَ ما يدل على الطاعة والاستعداد للآخرة فرح ونشط ، وإذا سمع ما يدلّ على الدنيا والبطالة اشمأز وانقبض ، والمريد السائر ، إذا سمع ما يقرب إلى الله فرح وانبسط ، وإذا سمع ما يُبعد عنه من ذكره السِّوى اشمأز وانقبض ، وأما الواصل الكامل فلا ينقبض من شيء لزيادته إلى الله بكل شيء لأنه عرف الله في كل شيء ، وسمع منه في كل شيء ، فلا يحجبه عن الله شيء ، قد فنيت دائرة حسه ، واتسعت دائرة معرفته ، يأخذ النصيب من كل شيء ، ولا يأخذ النصيبَ منه شيء . قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : في بعض كتب الله المنزلة على أنبيائه ، يقول الله تعالى : مَن أطاعني في كل شيء ، بهجرانه لكل شيء ، أطعته في كل شيء ، بأن أتجلى له دون كل شيء ، حتى يراني أقرب إليه من كل شيء . هذه طريق أُولى ، وهي طريق السالكين . وطريق أخرى كبرى : مَن أطاعني في كل شيء ، بإقباله علي كل شيء ، لحسن إرادة مولاه في كل شيء ، أطعته في كل شيء ، بأن أتجلّى له في كل شيء ، حتى يراني كأني كل شيء . هـ . ثم ذكر وبال الشرك ، فقال : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } .