Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 60-61)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { ويومَ القيامة ترى الذين كَذَبوا على الله } ، بأن وصفوه بما لا يليق بشأنه ، كاتخاذ الولد والشريك ونفي الصفات عنه ، { وجُوهُهُم مسودةٌ } بما ينالهم من الشدة والكآبة . والجملة : حال ، على أن الرؤية بصرية ، أو : مفعول ثان لها ، إن كانت علمية . { أليس في جهنم مَثْوىً } أي : مقام { للمتكبرين } عن الإيمان والطاعة ، وهو إشارة إلى قوله : { واستكبرت } ، ولا ينافي إشعاره بأن تكبرهم علة لاستحقاقهم النار أن يكون دخولهم فيها لأجل أن كلمة العذاب حقَّتْ عليهم لأن كبرهم مسبب عنها . { ويُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوا } الشرك والمعاصي ، أي : من جهنم . { بمفازتهم } : بفوزهم ، مصدر ميمي ، يقال : فاز بالمطلوب : ظفر به ، والباء متعلقة بمحذوف ، حال من الموصول ، مفيدة لمقارنة نجاتهم من العذاب بنيل الثواب ، أي : ينجيهم الله من مثوى المتكبرين ملتبسين بفوزهم بمطلوبهم أو : بسبب فوزهم بالإيمان والأعمال الحسنة في الدنيا ، ولذا قرأ ابن عباس رضي الله عنه : " بمفازتهم بالأعمال الحسنة " . قال القشيري : كما وَقَاهم اليومَ من المخالفات ، وحماهم ، فكذلك غداً عن العقوبة وقاهم ، فالمتقون فازوا بسعادة الدارين ، اليومَ عصمة ، وغداً نعمة ، واليومَ عناية ، وغداً كفاية . هـ . { لا يمسُّهُم السوءُ ولا هم يحزنون } : إما حال أخرى من الموصول ، أو : من مفازتهم وقيل : تفسير للمفازة ، كأنه قيل : وما مفازتهم ؟ فقيل : لا يمسهم السوء ، أي : ينجيهم بنفي السوء والحُزن عنهم ، فلا يمس أبدانَهم سوء ، ولا قلوبَهم حزن . الإشارة : ويوم القيامة ترى الذين كَذَبوا على الله ، بالدعاوى الباطلة ، من القلوب الخاوية ، فكل مَن ادعى حالاً ليست فيه ، أو : مرتبة لم يتحققها ، فالآية تجر ذيلها عليه ، واسوداد وجوههم بافتضاحهم . قال القشيري : هؤلاء الذين ادَّعوا أحوالاً ، ولم يَصْدُقُوا فيها ، وأظهروا المحبةَ لله ، ولم يتحققوا بها ، وكفى بهم ذلك افتضاحاً ، وأنشدوا : @ ولما ادَّعَيْتُ الحُبَّ قالت : كَذَبْتَني فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا ؟ فما الحُبُّ حتى تنزفَ العينُ بالبكا وتخرسَ حتى لا تجيب المناديا @@ وينجي الله الذين اتقوا شهود السِّوى من كل مكروه ، بسبب مفازتهم بمعرفة الله في الدنيا ، لا يمسهم السوء ، أي : غم الحجاب ، لرفعه عنهم على الدوام ، ولا هم يحزنون على فوات شيء إذ لم يفتهم شيء حيث فازوا بالله ، " ماذا فَقَد من وجدك " ؟ قال الورتجبي : بمفازتهم : ما كان لهم في الله في أزل أزله ، من محبتهم ، وقبولهم بمعرفته ، وحسن وصاله ، ودوام شهود كماله . لا يمسهم السوء : لا يلحقهم ، فلا يلحق بهم في منازل الامتحان ، تفرقة عن مقام الوصلة ، وحجاب عن جمال المشاهدة ، انظر تمامه . وحاصله : فازوا بإدراك السعادة الأزلية . وعن جعفر الصادق : بمفازتهم : بسعادتهم القديمة ، يعني لقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى } [ الأنبياء : 101 ] … الآية . قاله المحشي الفاسي . ثم برهن على البعث الموعود به قبلُ ، فقال : { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ } .