Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 114-114)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : إن كان المراد بالنجوى الكلام الخفي فالاستثناء منقطع ، وقد يكون متصلاً على حذف مضاف أي : إلا نجوى مَن أمر … الخ ، وإن كان المراد بالنجوى الجماعة المتناجين ، بالاستثناء متصل . قاله ابن جزي . يقول الحقّ جلّ جلاله : محرّضًا على الصمت : { لا خير في كثير } مما يتناجون به في شأن السارق أو غيره ، بل لا خير في الكلام بأسره { إلا من أمر بصدقة } واجبة أو تطوعية ، فله مثل أجره ، { أو معروف } وهو : ما يستحسنه الشرع ، ويوافقه العقل ، كالقرض ، وإغاثة الملهوف ، وتعليم الجاهل ، وإرشاد الضال ، وغير ذلك من أنواع المعروف . أو أمر بإصلاح { بين الناس } ، أي : إصلاحات ذات البين ، كإصلاح بين طعمة واليهودي وغيرهما . قال مجاهد : هي عامة للناس ، يريد أنه لا خير فيما يتناجى في الناس ، ويخوضون فيه من الحديث ، إلا ما كان من أعمال الخير . { ومن يفعل ذلك } أي : الصدقة ، والمعروف والإصلاح ، { ابتغاء مرضات الله } أي : مُخلصًا لله { فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا } وخيرًا جسيمًا . قال البيضاوي : بَنَى الكلامَ على الأمر ، ورتَّب الجزاء على الفعل ، ليدل على أنه لما دخل الآمر في زمرة الخَيّرين كان الفاعل أدخل فيهم ، وأن العمدة والغرض هو الفعل ، واعتبار الأمر من حيث إنه وصلة إليه . وقيد الفعل بأن يكون لطلب مرضاة الله لأن الأعمال بالنيات ، وإن من فعل خيرًا رياء وسمعة ، لم يستحق بها من الله أجرًا ، ووصف الأجر بالعظم تنبيهًا على حقارة ما فات في جنبه من أغراض الدنيا . هـ . الإشارة : في الآية حثٌّ على الصمت ، وهو ركن قوي في طريق التصوف ، وهو أحد الأركان الأربعة التي هي : العزلة والجوع والسهر ، فهذه طريق أهل البداية ، ومن لا بداية له لا نهاية له ، وقالوا : بقدر ما يصمت اللسان يعمر الجنان ، وبقدر ما كان يتكلم اللسان يخرب الجنان . وقالوا أيضًا : إذا كثر العلمُ قلَّ الكلام ، وإذا قل العلم كثر الكلام ، وقالوا أيضًا : من عرف الله كَلَّ لسانهُ . وقيل لبعض العلماء : هل العلم فيما سلف أكثر ، أو اليوم أكثر ؟ قال : العلم فيما سلف أكثر ، والكلامُ اليومَ أكثر . وفي قوله : { ومن يفعل ذلك … } إشارة إلى أن العمل أشرف من العلم بلا عمل . والله تعالى أعلم .