Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 115-116)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : المشاقة : المخالفة والمباعدة ، كأن كل واحد من المتخالفين في شَقِّ غيرِ شقَّ الآخر . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ومن } يخالف { الرسول } ويتباعد عنه { من بعد ما تبين له الهدى } أي : بعد ما تحقق أنه على الهدى بالوقوف على المعجزات ، فيترك طريق الحق { ويتبع غير سبيل المؤمنين } أي : يسلك غير ما هم عليه ، من اعتقاد أو عمل . { نوله ما تولى } أي : نتركه مع ما تولى ، ونجعله وليًّا له ، ونُخَلِّي بينه وبين ما اختاره من الضلالة ، { ونُصله جهنم } أي : ندخله فيها ، ونشويه بها ، { وساءت مصيرًا } أي : قَبُحت مصيرًا جهنم التي يصير إليها . والآية تَدُل على حرمة مخالفة الإجماع ، لأن الله رتَّب الوعيد الشدد على مشاقة الرسول ، واتباع غير سبيل المؤمنين ، وكل منهما محرم وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرمًا ، كان اتباع سبيلهم واجبًا ، انظر البيضاوي . ثم نزل في طُعمة لما ارتد مشركًا : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وقيل : كرر للتأكيد تقبيحًا لشأن الشرك ، وقيل : أتى شيخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني شيخ منهمك في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله شيئًا منذ عرفتُه وآمنتُ به ، ولم أتخذ من دونه وليًا ، ولم أوقع المعاصي جرأة ، وما توهمت طرفة عين أني أُعجز الله هربًا ، وإني لنادم تائب ، فما ترى حالي عند الله ؟ فنزلت . { ومن يشرك بالله فقد ضل } عن الحق { ضلالاً بعيدًا } لإن الشّرك أقبح أنواع الضلالة ، وأبعدها عن الثواب والاستقامة ، وإنما ذكر في الآية الأولى . { فقد افترى } لأنها متصلة بقصة أهل الكتاب ، ومنشأ شركهم نوع افتراء ، وهو دعوى الشيء على الله . قاله البيضاوي . الإشارة : كل من خالف شيخه ، وسلك طريقًا غير طريقة ولاه الله ما تولى ، واستدرجه من حيث لا يشعر ، وقد تؤخر العقوبة عنه فيقول : لو كان هذا فيه سوء أدب مع الله ، لقطع الإمداد وأوجب البعاد ، وقد يقطع عنه من حيث لا يشعر ، ولو لم يكن إلا وتخليته وما يريد . وبالجملة : فالخروج عن مشايخ التربية والانتقال عنهم ، ولو إلى من هو أكمل في زعمه ، بعد ما ظهر له الفتح والهداية على يديه طردٌ وبعدٌ ، وإفساد لبذرة الإرادة ، فلا نتيجة له أصلاً . والله تعالى أعلم . وبالله التوفيق .