Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 117-121)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : المَرِيد والماردهو الذي لا يعلق بخير ، وأصل التركيب للملابسة ، ومنه : صرح ممرَّد ، وغلام أمرد ، وشجرة مردى ، أي : سقط ورقها . قاله اليضاوي . هـ . وقيل : المريد : الشديد العاتي ، الخارج عن الطاعة . يقول الحقّ جلّ جلاله : { إنْ يدعون } : ما يعبدون { من دونه } تعالى { إلا إناثًا } كاللات والعزى ومناة ، فإن ألفاظها مؤنثة عندهم ، أو لأنها جوامد لا تعقل ، فهي منفعلة لا فاعلة ، ومن حق المعبود أن يكون فاعلاً غير منفعل ، أو يريد الملائكة لأنهم كانوا يعبدونها ، ويزعمون أنها بنات الله ، وما يعبدون في الحقيقة { إلا شيطانًا مريدًا } عاصيًا ، لأنه هو الذي أمرهم بها ، وأغراهم عليها ، وكان يكلمهم من أجوافها . ثم وصفه بأوصاف تُوجب التنفير عنه فقال : { لعنه الله } أي : أبعده من رحمته { وقال لأتخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا } أي : مقطوعًا فرضته لنفسي ، من قولهم : فرض له في العطاء ، أي : قطع ، { ولأضلنّهم } عن الحق { لأمنينّهم } الأماني الباطلة ، كطول الحياة ، وألاَّ بعث ولا عقاب ، { ولآمرنهم فليبتكنّ آذان الأنعام } أي : يشقونها لتحريم ما أحل الله ، وهي عبارة عما كانت العرب تفعل بالبحائر والسوائب ، وإشارة إلى تحريم كل ما أحل الله ، ونقص كل ما خلق الله كاملاً بالفعل أو بالقوة ، { ولآمرنهم فليُغَيّرُنّ خلق الله } صورة أو صفة ، فيندرج فيه خصاء العبيد والوشم ، والتنمص وهو نتف الحاجب ـ . زاد البيضاوي : واللواط ، والمساحقة ، وعبادة الشمس القمر ، وتغيير فطرة الله التي هي الإسلام ، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالاً ولا يوجب لها من الله زلفى . وعموم اللفظ يقتضي منع الخِصاء مطلقًا ، لكن الفقهاء رخصوا في خصاء البهائم للحاجة ، والجُمل الأربع حكاية عما ذكره الشيطان نطقًا ، أو أتاه فعلاً . هـ . ثم حذّر منه فقال : { ومن يتخذ الشيطان وليًّا من دون الله } باتباعه فيما أمره به دون ما أمر الله به ، { فقد خسر خسرانًا مبينًا } واضحًا حيث ضيع رأس ماله ، وأبدل بمكانة من الجنة مكانه من النار . { يعدهم } أي : الشيطان ، أمورًا لا تُنجز لهم ، { ويمنّيهم } أماني لا تعطى لهم ، { وما يعدهم } أي : { الشيطان إلا غرورًا } ، وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر ، فكان يوسوس لهم أنهم على الحق وأنهم أولى بالجنة ، إلى غير ذلك من أنواع الغرور ، { أولئك } المغرورون { مأواهم جهنم } أي : هي منزلهم ومقامهم ، { ولا يجدون عنها محيصًا } أي : مهربًا ولا معدلاً . من حاص يحيص : إذا عدل . الإشارة : ما أحببت شيئًا إلا كنت له عبدًا ، فاحذر أن تكون ممن يَعبُد من دون الله إناثًا ، إن كنت تحب نفسك ، وتؤثر هواها على حق مولاها ، أو تكون عبد المرأة أو الخميصة أو البهيمة ، أو غير ذلك من الشهوات التي أنت تحبها ، واحذر أيضًا أن تكون من نصيب الشيطان بإيحاشك إلى الكريم المنان ، وفي الحِكَم : " إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك ، فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده " . فاشتغل بمحبة الحبيب ، يكفيك عداوة العدو ، فاتخذ الله وليًا وصاحبًا ، ودع الشيطان جانبًا ، غِب عن الشيطان باستغراقك في حضرة العِيان . وبالله التوفيق .